رصد موقع أبعاد الالكتروني مقالا كتبه رئيس الحزب الديمقراطي محمد صوان مقالا عنونه بـ “بين الفتوى والرأي السياسي” يتناول في محطات الخلاف والجدل على ما يصدره مفتي ليبيا الشيخ “الصادق الغرياني” حول القضايا السياسية في البلاد
عودة الآن إلى محل الخلاف
كل محطات الخلاف والجدل والاعتراض على ما يصدر عن المفتي هو القضايا السياسية فقط، ولم يكن في أي قضية محرمة بنص أو حكم شرعي مجمع عليه -معاذ الله-.
أمثلة على ذلك: اتفاق الصخيرات وما نتج عنه يصرّ المفتي على وضعه في خانة الحرام والإثم الكبير والتشهير والتحريض على كل من شارك فيه في مناسبات متكررة، ونحن لا نحجر عليه أن يقول رأيه، فليعتبره خطأ سياسياً كبيراً أو ما يشاء، فهذا حقه، أما أن يلبسَ رأيَه في هذه المسألة بالفتوى فهذا هو اعتراضنا.
قس على ذلك التعامل مع الأمم المتحدة وبعض الدول ومسؤوليها، من حقه أن يقول أنه غير مُجدٍ أو خطأ أو ما شابه، ولكن أن يصف من تعامل معها بأنهم عملاء مثل ما قال صراحة في لقاءه فهو ما لا يُقبَل، فالحكومة التي يباركها المفتي اليوم هي صنيعة الأمم المتحدة، فكيف يستقيم أن التعامل مع الأمم المتحدة عمالة، ثم نقبل بما نتج عنه، وكذلك قيل على حكومة الصخيرات زوراً أنها دخلت بفرقاطة أجنبية وأنها حكومة عميلة.
مثال آخر: زيارة سياسي إلى دولة ما خيانة، وزيارة آخر إلى نفس الدولة مداراة، وتكون الفتوى والدعوة بقطع العلاقات الاقتصادية مع دولة ما أو بعض الدول دون معرفة: هل توجد اتفاقيات مشتركة وملزمة لليبيا مع هذه الدول أم لا، ودون اعتبار إلى تغير الظروف السياسية التي قد تجعل عدو وخصم اليوم صديق الغد وهذا ما حدث فعلا فبعض الدول التي كانت الفتوى تحرم التعامل معها تحولت إلى صديقة وسفارتها فتحت وزياراتها متكررة، وهذا أمر مقبول في السياسة وله ظروفه، ولذلك ما كان ينبغي إلباسه بالفتوى وكان يكفي أن يعتبره خطأ سياسياً أو غير مجدٍ أو نحوه.
بل إن الفتوى -للأسف- تصدر دون اعتبار لحالة فوضى السلاح التي قد تدفع أحد الغلاة أو المتهورين لقتل الأطراف السياسية باعتبار أن لديه فتوى بأنهم عملاء وخونة، فتشارك الدار في دماء المسلمين دون قصد منها، وكل هذا قد يؤدي إلى فقدان الجهة التي تفتي مكانتها واحترامها وثقة الناس فيما يصدر عنها في هذه المسائل.
وحتى لا يفهم الكلام على غير ما قُصد منه ينبغي التنبيه إلى:
– لا أحد يدعو إلى فصل الحياة عن الدين
– من واجب الإفتاء أن تبين الخطوط الحمراء والمحرمات القطعية المجمع على حرمتها سياسياً، وتبين ولو بشكل موجز دليلها في ذلك، وعندها لن تجد منا أدنى تحفظ.
– لا أحد يعترض أو يحجر على العالم أن يقول رأيه الخاص في هذه المسائل السياسية، فهذا حقه بل واجبه، ولكن دون إلباسه بالفتوى الدينية، ومن حق محبيه أن يأخذوا برأيه كذلك دون إنكار على الآخرين في دائرة الصواب والخطأ، بل نحن أحياناً بسبب شدة الأزمة نتحرك في دائرة دفع أشد المفسدتين واختيار أخف الضررين.
إن احتكار الاجتهاد السياسي وحصره في دار الإفتاء مُؤدّاه أننا نحتاج أن نعرض كل قضية مهما كانت اجتهادية وصغيرة، حتى ولو كانت زيارة مسؤول لدولة على الفتوى، ونقفل كل مؤسساتنا أو نطلب منها ختم دار الإفتاء في أي مسألة؟ لا أظن أحدا يقول بذلك، وهذا للأسف ما يترتب عن إقحام الفتوى في هذه التفاصيل، ولا ننكر عليهم النصح والتوجيه والإدلاء برأيهم بالحسنى، والتشاور مع أهل الاختصاص فيما لا يحرم حلالاً أو يحل حراماً، فهذه خطوط حمراء يجب على المفتي وأهل العلم أن يصدعوا بها.
أخيرا ربما يظن البعض بأنني أتكلم من منطلق خصومة شخصية، لا والله، وإني أزعم -والله على ما أقول شهيد- بأنني كنت ولا زلت أرجو للعلماء وأهل العلم والمؤسسات الشرعية أن تكون لها مكانتها واحترامها ودورها ورسالتها، وما نصحت من موقعي إلا من هذا المنطلق، وهو موجه للمنصفين أصحاب الغيرة الحقيقية على الدين والوطن، “الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه”، ولا يعنيني ولا يخيفني ردود بعض المريدين أو المهرجين على غير بصيرة
مناقشة حول هذا post