تواجه البلدان التي تعاني إجهادا مائيا مخاطر استنزاف المياه الجوفية، ومنها ليبيا التي صنفها معهد الموارد العالمية، في أغسطس، ضمن 25 دولة تتعرض حاليا لإجهاد مائي مرتفع للغاية.
عربيا، تحتل ليبيا الصدارة في معدل استهلاك المياه بنحو “ألفين و392 لترا للفرد الواحد يوميا”، بحسب بيان لبعثة الأمم المتحدة بليبيا في سبتمبر الماضي.
في السياق، قالت ياسمين الأحمر وهي ناشطة بيئية في منظمة “ليكاو” (محلية غير حكومية)، إن الإجهاد المائي له أضرار مباشرة تمس المواطن، بينها هبوط كبير في مستوى المياه الجوفية، ما يجبره على حفر آبار عميقة واستخدام مضخات كبيرة للحصول على المياه؛ وهو ما يزيد تكلفة استخراج المياه، وكذلك تدني جودتها.
وأفادت الأحمر للأناضول، بأن الاستنزاف الكبير للمياه الجوفية قد يؤدى إلى مشاكل بيئية، مثل انهيارات أرضية بسبب الضخ. والإجهاد المائي هو نتيجة للاستنزاف غير المدروس للموارد المائية الجوفية، وأغلبها غير متجددة، خاصة في المناطق الجنوبية حيث تكاد تنعدم الأمطار.
وحذرت من أن الإجهاد المائي خطر يهدد باستنزاف المياه الجوفية، بدليل تقارير المنظمات الدولية، مثل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
وهذه التقارير “تؤكد أن ليبيا في مقدمة الدول التي تعاني من الإجهاد المائي، والذي يمكن تعريفه بأنه نسبة ما يتم استهلاكه من المياه إلى نسبة المياه المتجددة، وليبيا من الدول التي تفتقر إلى المياه المتجددة”، بحسب الأحمر.
وقالت إنه “من المعروف أن الجنوب الليبي ينعم بوفرة المياه الجوفية ذات الجودة العالية، ولكنها غير متجددة، ومن المشجع استخدامها للأغراض الزراعية لتوفير الغذاء والأعلاف، ولكن هذا الاستغلال يجب أن يكون مدروسا بعناية حتى لا نتفاجأ بنفاد المخزون”.
وبخصوص البدائل، دعت الأحمر إلى الابتعاد عن زراعة المحاصيل التي تحتاج إلى مياه كثيرة، وزراعة أخرى لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه مثل أشجار النخيل، وكذلك استخدام تقنيات الري الحديثة مثل التقطير.
وتابعت: “والاهتمام بتحلية مياه البحر في المناطق الساحلية لتقليل الاعتماد على المياه التي يتم نقلها من الجنوب عن طريق جهاز النهر الصناعي إلى مدن ومناطق الشمال”.
وأشارت الأحمر إلى أنه مع شح مياه الأمطار، عملت الدولة على حلول منها بناء السدود، ولكن يجب التوسع في إنشاء محطات التحلية بالمناطق الساحلية، وإقامة محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي وصيانة المتوقف منها للاستفادة من هذه المياه في ري الحدائق والمتنزهات وتقليص تلويثها للمياه الجوفية.
وأردفت أن “هناك خيارات عديدة ممكنة لمواجهة الإجهاد المائي في ليبيا، منها تفعيل قوانين جباية رسوم المياه وعدم التهاون في ذلك لتقليل الهدر في المياه، ووضع برامج للحصاد المائي للاستفادة من كل قطرة من مياه الأمطار”.
كما شددت على ضرورة توفير الميزانيات اللازمة لتنفيذ مشاريع المياه والصرف الصحي، لضمان الاستهلاك الأمثل لمياه الشرب وتقليل معدلات التلوث، والقيام ببرامج توعوية على جميع المستويات للتعريف بحجم المشكلة ودعوة الجميع للمساهمة في إيجاد الحلول.
وبحسب مدير المركز الليبي للدراسات وبحوث علوم وتكنولوجيا البيئة فرع المنطقة الجنوبية أبوبكر ماتكو مصطفى، فإن الزراعة تستحوذ على أكثر من 90 بالمئة من المياه المستهلكة في المنطقة الجنوبية.
وأردف مصطفى، في حديث للأناضول: “على الرغم من وفرة المياه الجوفية في المنطقة الجنوبية، فإن استهلاك المياه يجب ألا يتخطى الحدود الآمنة، أي هبوط سنوي مقبول في مستوى المياه الجوفية”.
لكن “خزانات المياه الجوفية في بعض مناطق الجنوب تجاوزت معدلات الهبوط السنوي في مستوياتها، فتم وضعها تحت نظام الحظر المقيد أو الحظر المطلق”.
وأوضح أنه “في حالة الحظر المقيد يُمنع حفر الآبار إلا إذا كانت بديلة لأخرى قائمة أو لأغراض الشرب، أما الحظر المطلق فيمنع حفر الآبار نهائيا إلا في حدود ضيقة لغرض الشرب”.
ولفت إلى أن “الإجهاد المائي توصف به المناطق أو الدول التي يتجاوز استهلاكها 40 بالمئة من المياه المتجددة، ويكون إجهادا مائيا حادا إذا تجاوز 80 بالمئة من الإمداد المائي السنوي”.
و”لذلك مصطلح الإجهاد المائي الحاد لا يكفي لوصف الوضع في ليبيا؛ فالاستهلاك يفوق 80 بالمئة من المياه المتجددة، أما الجنوب الليبي فمصادره المائية غير متجددة”.
مناقشة حول هذا post