لا شك أن ما حققه منتخب المغرب، ولا يزال يحققه، قد خطف أنظار العالم الذي لم يكن يتوقع أن يصل أسود الأطلس باقتدار تام إلى مربع الذهب في مونديال قطر، ولم لا الذهاب إلى أبعد من ذلك، وتوجه العيون نحو الكأس الذهبية.
ولكن يتساءل كثير من المهتمين بكرة القدم عموما، والكرة العربية خاصة، عن سبب تفوق المغرب دون غيره من المنتخبات العربية التي شاركت في المونديال، والسرّ وراء مضيها بعيدا في كأس العالم، لتصبح ضمن الأربعة الذين صمدوا من بين 32 منتخبا هم الأقوى في العالم؟ وللإجابة عن ذلك يمكن أن نقول بأن السر يكمن في هذه الأركان الثلاثة!
عقلية فذة وروح قتالية
امتاز لاعبو المغرب بعقلية فذة صقلتها التجارب، والاحتراف في ملاعب أوروبا، وهو ما تميز به أسود الأطلس عن بقية المنتخبات العربية التي يشارك معظم لاعبيها في دوريات محلية، وهي وإن كان لها وزنها الرياضي، غير أن للاحتراف في أوروبا مستوى آخر، وتأثيرا أكبر على اللاعب الذي سيدرك كيف يفكر لاعبو أقوى المنتخبات، كما أنه سيلعب إلى جانبهم أو ندا لند في دورياتهم، الأمر الذي سيزيل عنه أي شعور بالرهبة، لاسيما وأنه اعتاد رؤية الجميع.
الاحتراف، والتجربة، والمهارة المطلوبة، كل ذلك خلق الروح القتالية العالية لدى المغاربة، والتي تمكنوا بها من مقارعة أعتى المنتخبات، ويعبروا نحو دوري ثمن النهائي بسهولة، ثم ليزيحوا في طريقهم إلى مربع الذهب أسبانيا والبرتغال، ومن يدري لعل فرنسا في الطريق أيضا!
المدرب المطلوب
مدرب المغرب وليد الرقراقي، الرسام الذي نفث سحره في الكرة المغربية، وقدم لنا لوحة من العمل الجماعي والتكتيكي المنظم والاحترافي، ليؤكد لنا أن الكوادر العربية بإمكانها أن تقود أقوى الفرق، وأن تقارع كبرى منتخبات الكرة في العالم.
ولم يكن هذا من فراغ، فقد طار الرقراقي نحو عواصم العالم المختلفة التي ضمت لاعبي المنتخب، والتقى معظم اللاعبين، وأخبرهم بشكل واضح أن من كان يفكر في لعب 3 مباريات فحسب لا داعي لانضمامه!
لم يكن الرقراقي ذاهبا إلى قطر ليقدم مشاركة متواضعة، بل قالها لاعبوه بشكل صريح: “نريد الذهاب بعيدا في المونديال” وعليه لم تكن خطط الكابتن يوسف متواضعة، بل كبيرة وعظيمة بحجم أسود الأطلس.
توليفة ذهبية
تشكيلة الفريق المغربي أقل ما يقال إنها كانت مثالية، فالرقراقي وضع كل لاعب في مكانه بطريقة تجعلك على يقين بأنه “ليس في الإمكان أفضل مما كان!” وهو ما أجمع عليه متابعو اللعبة، إذ كان لكل عنصر من عناصر الفريق أداؤه، ورونقه، وألمعيته التي جعلته يستحق مركزه داخل التشكيلة.
من سور الصين العظيم، الحارس المتألق ياسين بونو الذي أرعب جبابرة الهجوم في مونديال الدوحة، إلى خط الدفاع الصخرة الصماء، والجدار الذي تحطمت عليه كرات الخصوم ولم يخترقه سوى هدف واحد كان بنيران صديقة.
مرورا بوسط بإمكانه فعل كل شيء، بدءا من المهام الدفاعية وانتهاء بالمراوغة وبناء الهجمات، ناهيك عن أجنحة طائرة يمتلكها المغرب تمثلت في زياش وبوفال، وصولا إلى رأس الحربة الذي توج جهود المنتخب بهدف لن ينساه التاريخ في مرمى البرتغال.
“ما زال ما زال” هكذا يقول لاعبو المغرب، وهكذا تقول الجماهير المغربية والعربية السعيدة بكتابة اسم العرب والقارة الأفريقية ضمن مصاف الأربعة الكبار للمرة الأولى.
تفوقت المغرب كأول منتخب عربي وأفريقي يصل ربع نهائي كأس العالم في مونديال 86، واليوم تتفوق على نفسها حين تنافس في نصف النهائي، لتوجه رسالة إلى العالم بأن مسيرة أسود الأطلس لم تنته بعد، بل كانت البداية فحسب!
مناقشة حول هذا post