ليست حادثة انفجار صهريج الوقود ببلدية بنت بية هي الأولى من نوعها في الجنوب المنسي لتحدث كلّ هذه الجلبة، وليصل صداها إلى بلدان العالم؛ فمآسي الجنوب كثيرة، وعن مصائبه “حدّث ولا حرج”.
ولكن هذه الحادثة حرّكت مشاعر الإنسانية في مختلف دول العالم، فالمشهد، وعلى الرغم من لقطاته المشوهة، لخّص القصّة بالكامل؛ مجموعة من الناس يسارعون إلى شاحنة وقود على قارعة الطريق لعلّهم يحصلون على شيء من وقودها ليخفّف عنهم معاناتهم؛ فإذا به يفتح بابا جديدا من الألم لم يكن في الحسبان..
“أولادنا حرقوهم مرتين”
هذا ما قاله أحد أبناء فزان واصفا حال مدن ومناطق الجنوب، مشيرا بحديثه إلى سوء الأحوال التي يعانيها أهالي فزان من غياب الوقود، وانعدام السيولة، وتهرّب المسؤولين من الإقامة داخلها ليعايشوا الواقع المرير بأنفسهم، ويجدوا حلولا حقيقية له، بدلا من الركون إلى الراحة والاكتفاء ببيانات المواساة التي لا تزيد شباب الجنوب إلا حسرة..
الكاتب والمدون محمد جبريل ناشد الجميع، عبر تغريدة على تويتر، قائلا: “إلى متى يا وطني” متابعا: ” لا يزال أهلنا في الجنوب يدفعون ثمن فشل وعجز السياسيين الفاسدين ومن في السلطة.. عجز كامل لدى مستشفيات المنطقة في إسعاف المصابين وعلاجهم، نسأل الله الرحمة للموتى والشفاء للمصابين”.
“لسنا مواطنين من الدرجة الثانية”
نيران مشتعلة وضحايا بالعشرات بين موتى ومصابين بحروق بالغة، يتناساها عبد الحميد الدبيبة جميعا، ويتغاضى عن آلام الجنوب التي تئنّ، ويبرّر الفاجعة بأن تهريب الوقود “من أبناء الجنوب وإليهم”.
اتهام ردّ عليه عميد بلدية أوباري أحمد ماتكو بأنه “لم يكن متوقعا” مؤكدا أن الوقود يُهرب من شمال ليبيا ويُباع في الجنوب بأرقام “فلكية”.
وضمن تصريحات صحفية، شدد ماتكو على أن الدولة هي المطالبة بمحاربة تهريب الوقود “وليس إلقاء اللوم على المواطن” لافتا إلى أن فزان لم تمنع أي قوة تأتي لمحاربة تهريب الوقود في مدن الجنوب.
تجارة للأزمات
الباحث والمختص في شؤون الجنوب موسى تيهوساي عبّر عن أسفه لما آلت إليه أوضاع الجنوب الذي ينتمي إليه، قائلا: “لم يتبق إلا أن تنشئ الحكومة إدارة عامة في ديوان رئاسة الوزراء والحكم المحلي، تعنى بشؤون الكولسة واستثمار الأزمات والبؤس وتسمية رئيسها ونائبه الأول من الجنوب ممن لديهم أصهار في الحكومة أو ما شابه”.
ودعا تيهوساي، خلال تدوينة عبر فيسبوك، سكان وأهالي مناطق ومدن الجنوب إلى تولي شؤونهم بأنفسهم والوقوف صفا واحدا ضد تجار الأزمات، لاسيما وأنهم يعيشون في واحدة من أسوأ الدول في إدارة الموارد.
٤واختتم الباحث والكاتب السياسي حديثه قائلا: “متى يكون لدينا حكومة تعي أن المناصب أمانة لا ملك شخصي؟!”.
في ظلمة النفق
أزمات متوالية تمر بالجنوب؛ انقطاع للكهرباء، انعدام للسيولة، تجارة غير مشروعة بالوقود، منظومة صحية متهالكة، وأمن غائب، وسلطات لا وجود لها هناك.. جميعها معضلات تدخل بسكان فزان إلى ظلمة النفق، والجزء الأصعب منه، وفاجعة بنت بية ليست سوى واحدة من منزلقات هذا النفق التي تُعد نذيرا بالغ الخطورة للمسؤولين، وكل من تمسّه مسؤولية فزان بأن “السيل بلغ الزبى” وأن العاقبة لن تكون خيرا، وقد يكون الطوفان الذي يأخذ المسؤولين جميعا إلى غير رجعة..
مناقشة حول هذا post