تظهر تساؤلات حول مستقبل العملية السياسية إذا استمرت حكومة عبد الحميد الدبيبة في التشبث بالسلطة في طرابلس مما يثير مخاوف بعودة الانقسام مجددا بعد تعذر الوصول إلى الانتخابات في ديسمبر الماضي واستقالة عدد من أعضاء لجنة اختارها الدبيبة لتنظيم الانتخابات في يونيو المقبل.
ويعد شهر يونيو الفرصة الأخيرة للدبيبة لتسليم السلطة بعد انتهاء ولايته دوليا وفقا لخارطة الطريق المتفق عليها في جنيف بعد الفشل حتى الآن في تنظيمه الانتخابات التي وعد بإجرائها في يونيو القادم فضلا عن اختيار مجلس النواب حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا.
الأمانة لا تعود
واستقال عدد من أعضاء لجنة “عودة الأمانة للشعب” التي اختارها الدبيبة لتنظيم الانتخابات في يونيو القادم متهمين الحكومة بعدم جدية إجراء الانتخابات.
وقال عضو لجنة “عودة الأمانة للشعب” المكلفة من حكومة الدبيبة سامي الأطرش: إن استقالة عدد من الأعضاء جاءت بسبب عدم جدية حكومة الدبيبة في دعم اللجنة لإجراء الانتخابات.
وأضاف الأطرش في تصريح لـ أبعاد “حاولنا إعادة الشرعية للشعب الليبي ومعالجة الأزمة من كل جوانبها، ولكن القرار كان يتعلق بمراجعة القوانين فقط وهو غير كاف، وهذا ليس كل ما تطلبه عملية الانتخابات”.
وأكد الأطرش أن حكومة الدبيبة لم تقدم للجنة أي تسهيلات فعلية من الجانب اللوجستي وهي غير جادة لتفعيل عمل اللجنة بكل حيادية واستقلالية عن السلطة التنفيذية.
وأفاد الأطرش بأن معظم أعضاء اللجنة مقيمون في الخارج هم ليسو أكفاء وغير قادرين على العطاء والتفاعل والعمل مع العملية الانتخابية.
لا ملامح لانتخابات الدبيبة
من جهة أخرى يرى سياسيون أن البعثة الأممية في ليبيا تمتلك الحل لهذا المأزق بالنظر إلى ما تم إنجازه بمباحثات القاهرة بين فريقي مجلسي النواب والأعلى للدولة، لكن آخرين يستبعدون حدوث أي تطور مهم خلال المدة المتبقية لانتهاء ولاية حكومة الدبيبة دوليا ويتوقعون مزيداً من الفوضى السياسية.
وفي هذا السياق صرح عضو مجلس النواب رمضان شمبش لصحيفة “الشرق الأوسط” بأن الدبيبة متشبث بالسلطة على الرغم من انتهاء صلاحية حكومته في الـ24 من ديسمبر الماضي ويبرر موقفه بعدم وجود سلطة منتخبة يسلم لها مهامه.
وأضاف شمبش “الدبيبة يتحدث عن إجراء انتخابات في شهر يونيو المقبل ولكن إلى الآن لا توجد ملامح على الأرض تبرهن مصداقية ما يطرحه والجميع يدرك أن إجراء الانتخابات خلال تلك الفترة المتبقية أمر ليس سهلاً على الإطلاق لأسباب عدة في مقدمتها الأوضاع الأمنية”.
وتابع شمبش “مع تجاوز هذا الموعد سوف تستمر الأوضاع على ما هي عليه دون جديد في ظل وجود حكومتين الأولى في طرابلس، والثانية بقيادة باشاغا في سرت”.
وحول أنباء عن إيجاد حكومة ثالثة مصغرة تحظى بالشرعية والتوافق بعيداً عن خلافات حكومتي باشاغا والدبيبة قال شمبش: “هذا الحديث متداول إعلامياً، ولكن لم يتم طرحه علينا خلال اجتماعات القاهرة التي استضافت وفدي مجلسي النواب والأعلى للدولة للنقاش حول المسائل الدستورية الأسبوع الماضي والتي تركزت على مناقشة المواد الخلافية بمسودة الدستور”.
وضع دون تغيير
بدوره يتوقع عضو مجلس الدولة عادل كرموس في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط استمرار الوضع على ما هو عليه دون تغيير خصوصاً في ظل تمسك البعثة الأممية بأن تكون هي البوابة الوحيدة لطرح أو تنفيذ أي حل للأزمة الليبية.
وقال كرموس “البعثة رفضت الاعتراف بشرعية حكومة باشاغا على الرغم من كونها نتاج توافق ليبي – ليبي محض بين مجلس الدولة والبرلمان وحصولها أيضاً على ثقة الأخير، ودعت بالمقابل المجلسين إلى الانخراط باجتماعات حول المسار الدستوري احتضنتها بالقاهرة على مدار جولتين حتى الآن، أما وجود حكومة ثالثة مصغرة هو طرح سياسي قد لا يجد طريقه إلى التطبيق، ففي الشرق والجنوب سيتم التمسك بحكومة باشاغا”.
وتابع قائلا “أما العاصمة فقد باتت تحت سيطرة الدبيبة الذي نجح في استقطاب أغلب التشكيلات المسلحة وعدد من الشخصيات السياسية داخلها، وعليه فسيرفض المقترح من قبل هؤلاء ولن يصعب على الدبيبة حينذاك تصوير الأمر كأنه رفض شعبي، ويستمر بالسلطة”.
وأوضح كرموس أن محافظ ليبيا المركزي الصديق الكبير حريص على الإبقاء على الدبيبة بموقعه على رأس السلطة التنفيذية، فهو لا يضمن أن يأتي رئيس حكومة جديد يتطلع للحد من نفوذه كمتصرف أوحد بأموال الدولة الليبية دون أي رقابة.
أوراق باشاغا
وفي ظل تغير التحالفات السياسية ووصول بعض الأطراف إلى توافقات بشأن السلطة بمنح فتحي باشاغا رئاسة الحكومة عبر مجلس النواب، يمكن أن ينظر الى هذه الخطوة كمؤشّر على تضافر عدة أطراف في شرق وغرب وجنوب ليبيا في تسيير العملية السياسية حتى إجراء الانتخابات القادمة.
ويمتلك باشاغا عدة أوراق للاستمرار في المشهد السياسي من بينها حصوله على ثقة مجلس النواب والأطراف الفاعلة في شرق ليبيا لتسيير العملية السياسية الحالية فضلا عن دعمه من عدد كبير من مجلسي النواب والدولة وهو ما يمثل اتفاقا تاريخيا يحدث لأول مرة بين المجلسين لتنظيم العملية السياسية.
ويعد باشاغا ذا نفوذ في المنطقة الغربية بحكم تواصله الفاعل مع عدد من التشكيلات والقوى المسلحة والأطراف السياسية والاجتماعية منذ أحدث الثورة الليبية عام 2011 كما يحظى بدعم من دول مختلفة التوجهات في ليبيا.