يبدو أن استخدام أهم مؤسستين اقتصاديتين في البلاد المتمثلتين في مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط في الصراع السياسي أثار حفيظة الغرب وتخوف من استعمالهما كأداة لتحقيق مصالح سياسية وكدعاية انتخابية لنيل الأصوات وتعاطف الشعب.
فالنأي بالمركزي ومؤسسة النفط واستقلاليتهما عن التجاذبات السياسية والعسكرية أيضا في وقت ما، لطالما كان من ضمن دعوات أي مؤتمر أو لقاء دولي حول ليبيا، وعدم استخدام قوت الليبيين كورقة ضغط لتحقيق مآرب وأهداف سلطوية
ولعل رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة استخدم هذه اللعبة، بدأها بتقريب محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير من الحكومة، وفي المقابل استغل الدبيبة المسافة القريبة من الكبير لتنفيذ مشروعه، واستخدام أموال المركزي كبرامج لصالح المواطنين ودعم الشباب وبرامج إعادة الإعمار وغيرها، والاستفادة منها لكسب ثقة الشعب وأصواتهم ونيل تعاطفهم
لكن إشارات مؤخرا بدأت تفهم على أن مؤسستي النفط والمصرف المركزي غير راضيتين عن تعامل الدبيبة معهما أو مع المصاريف الحكومية الأمر الذي انعكس على كثافة اجتماعات الرجل مع رئيس المؤسسة مصطفى صنع الله والمحافظ الصديق الكبير في الآونة الأخيرة
وزيرة خارجية الدبيبة نجلاء المنقوش خلال منتدى الدوحة على خلاف عادتها، تحدثت عن الجانب الاقتصادي ملوحة بوجود أزمة في المؤسسات الاقتصادية في ليبيا وخاصة مؤسسة النفط والمصرف المركزي، وحثها الأخير على أن يكون أكثر مسؤولية
المنقوش أشارت أيضا إلى ضرورة فتح حوار صريح حول دور هذه المؤسسات المالية خاصة مع المصرف المركزي، لكي تعمل لمصلحة الشعب وليس لجهات وأطراف بعينها، عن الفساد والسوق السوداء وكيفية استخدام الموارد المالية في ليبيا التي صارت لعنة على البلاد، واتهامها بعض المؤسسات بالتمسك بالسلطة فقط للاستفادة من الوضع القائم.
خطوات الدبيبة التي سبقت تصريحات المنقوش لم تلق ترحابا من بعض الدول المنخرطة في الأزمة الليبية، فمستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليامز شددت على حماية استقلالية ونزاهة المؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار ومصرف ليبيا المركزي من الاضطرابات السياسية.
وأوضحت وليامز في تغريدة لها أن هذه المؤسسات السيادية هي في المقام الأول ملك للشعب الليبي ولا يجوز أن تتعرض لضغوط تعسفية أو أن تستخدم كسلاح لمنفعة طرف أو آخر، وينبغي أن تكون الإدارة والتوزيع الشفاف لثروة الشعب الليبي هدفًا مشتركًا، وهذه التصريحات لاقت ترحيب سفيرة بريطانيا لدى ليبيا كارولين هورندال، وأكدت على ضرورة الحفاظ على استقلال ونزاهة المؤسسات.
الولايات المتحدة وعبر سفارتها في ليبيا هي أيضا لم تبتعد كثيرا عن تصريحات مواطنتها ستيفاني وليامز، حيث أكدت دعمها بشدّة استقلال ونزاهة هذه المؤسسات السيادية غير المسيّسة التي تعمل لصالح جميع الليبيين، لتأتي متناسقة مع دعوة سابقة للسفير نورلاند التي دعا فيها إلى أن تُبنى إدارة عائدات النفط الليبي على ركيزة الشفافية واستقلال المؤسسات السيادية من أجل بقائها بمنأى عن التجاذبات السياسية
ويرى المراقبون للمشهد السياسي الحالي أن هذه التصريحات حول عدم المساس بالمصرف المركزي ومؤسسة النفط من قبل جهات دولية، تبين وجود تجاوزات من قبل الدبيبة وخاصة في إعطاء الضوء الأخضر للقرارات والعقود التي تقوم بها حكومته، ويمكن أن يفسر هذا بأنه إنذار مبكر للدبيبة للتوقف عن هذه الأعمال.