عمّق الانقسام السياسي المستمر في ليبيا الجدل حول المحكمة الدستورية العليا التي أنشأها مجلس النواب في بنغازي، خصوصاً بعد إصدارها قراراً يقضي بإلغاء دائرة الدستورية التابعة لـ«المحكمة العليا» في طرابلس، وهو ما أثار تساؤلات متابعين حول شرعية الخطوة، ومخاوف من انعكاسها على وحدة القضاء الليبي.
وشمل قرار المحكمة الدستورية العليا في بنغازي إحالة جميع الدعاوى المنظورة أمام دائرة طرابلس إلى المحكمة الجديدة بحالتها وبغير رسوم، مع منح الأطراف مهلة ثلاثة أشهر لإعادة رفعها، وإلا اعتُبرت كأن لم تكن.
وفي خطاب موجه إلى المبعوثة الأممية، دعت المحكمة إلى سحب العبارات التي تمس القضاء الليبي واستقلاله من الإحاطة المقدمة لمجلس الأمن، واصفة حديث تيتيه بأنه آراء شخصية، ومؤكدة تمسكها بمبدأ استقلال السلطة القضائية.
ويُعدّ هذا الخلاف حول «المحكمة الدستورية العليا» في بنغازي الثاني من نوعه في غضون شهر واحد؛ إذ سبق أن أثار قرارها بتحصين مجلس النواب في ترقيات أصدرها القائد العام خليفة حفتر، وشملت نجليه صدام وخالد، جدلاً حاداً بعدما رفضه المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، عاداً إياه “تعدياً على استقلال القضاء”.
وقضت المحكمة الدستورية العليا بأن قرار رئاسة مجلس النواب رقم 20 لسنة 2015 المتعلق بترقية ضابط وتعيين قائد عام للجيش الليبي من الأعمال التشريعية الصادرة عن مجلس النواب والتي تخرج عن رقابة واختصاص القضاء الإداري.
في السياق، تابع المجلس الأعلى للدولة ببالغ القلق ما صدر عما يسمى “المحكمة الدستورية العليا” من حكم يقضي بتحصين قرارات مجلس النواب المتعلقة بتعيينات “القائد العام للجيش الليبي” وترقيات الضباط واعتبارها أعمالاً تشريعية لا تخضع للرقابة الإدارية.
وأكد المجلس أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح اختصاص أصيل للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، استنادا إلى الإعلان الدستوري وقانون إعادة تنظيم المحكمة العليا الصادر سنة 1982م، لافتا إلى أن ما يسمى بـ “المحكمة العليا” قد أُنشئت بقرار من مجلس النواب المنتهي التوافق السياسي وقد كشفت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا عواره وفتئت بعدم دستوريته
وشدد المجلس على أن الحكم يمثل خطرا مباشرا على وحدة السلطة القضائية من خلال خلق ازدواجية بين المحكمة العليا صاحبة الاختصاص الأصيل وهذه المحكمة المستحدثة بما يهدد مبدأ وحدة القضاء المنصوص عليه في الإعلان الدستوري
وأكد المجلس تمسكه بأن المرجعية الوحيدة للرقابة الدستورية في ليبيا هي الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا رافضا أي محاولات لتسييس القضاء أو استخدامه أداة لتكريس الانقسام المؤسسي محملا مجلس النواب المسؤولية عن المضي في تشريعات أحادية تنحرف إلى التوافق ويعتبرها مساسا يهدد وحدة البلاد ومؤسساتها.
من جهته، كان رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي طالب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بإلغاء قانون إنشاء المحكمة الدستورية، وتجميد ومراجعة كافة القوانين التي لا تتطلبها المرحلة الانتقالية أو المخالفة للاتفاق السياسي.
ودعا المنفي في خطاب موجه إلى عقيلة بإلغاء قانون إنشاء المحكمة الدستورية في جلسات علنية شفافة بنصاب قانوني؛ ليطمئن الشعب باستمرار المسار الدستوري المؤسساتي بما يحقق الصالح العام، قائلا إن المرحلة الانتقالية تشترط إعلاء التوافق والتكامل والتوازن بين المؤسسات والسلطات صونا لوحدة ليبيا وسيادتها المستهدفة من مشاريع خارجية.
وأشار المنفي أن مجلس النواب هو سلطة تشريع انتقالي مؤقت، مدد لنفسه دون استفتاء الشعب كما ينص الإعلان الدستوري بنص صريح، وذلك لظروف أمنية منعت ذلك الاستحقاق الدستوري حينها، وأنها زالت اليوم مع حالة الاستقرار والإعمار الذي نشهده في ليبيا، حسب قوله.
مناقشة حول هذا post