مراسيم المنفي بين شُبهة المرض وعدم الاختصاص “قراءة في الإطار الدستوري والقانوني”
مراسيم تثير أسئلة دستورية:
في منعطف خطير من المسار الانتقالي الليبي، أثارت المراسيم الأخيرة الصادرة عن رئيس المجلس الرئاسي “محمد المنفي” عاصفة من الجدل القانوني والسياسي، وما يزيد الأمر تعقيداً هو تزامن هذه القرارات مع الآتي:
– أنباء متواترة عن تدهور صحة المنفي وسفره للعلاج.
-تحذيرات أممية، وداخلية من القرارات الأحادية.
– تسريبات حول مقترحات، من اللجنة الاستشاريّة، بإلغاء المجلس الرئاسي، وتشكيل حكومة واحدة.
بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع محتويات تلك المراسيم الثلاثة، فإنها تثير سؤالين جوهريين:
1. هل تجاوزت هذه المراسيم حدود الاختصاص الدستوري؟
2. ما الأثر القانوني لصدورها أثناء انتشار أخبار عن مرض الرئيس؟
المحور الأول: اختراق الصلاحيات.
بحسب الإعلان الدستوري الليبي وتعديلاته، فإن المجلس الرئاسي هيئة تنفيذية مؤقتة وجماعية، بنيت على أساس مناطقي توافقي، ممثل عن كل أقليم من الأقاليم التاريخية الثلاث لليبيا، لذلك فإن المجلس الرئاسي في أداء وظيفته يخضع لضوابط صارمة وهي:
1. الشرعية الجماعية: فيجب أن تصدر القرارات بإجماع الأعضاء الثلاثة، مع ملاحظة أنّ المنفي ممثلاً للمنطقة الشرقية في المجلس الرئاسي، و يفترض، على أقل تقدير، أن يتوافق مع المكونات السياسية والعسكرية فيها، ومن ثمّ يكون وسيطاً بين الأطراف السياسية ككل لتقريب وجهات النظر حول القضايا الخلافية في الواقع وفي مشروع الدستور، بصفته رئيساً للمجلس الرئاسي.
2. الصلاحيات المحدودة: اختصاصات المجلس مُحددة على سبيل الحصر، وليس له صلاحية إصدار مراسيم رئاسية.
3. الرقابة البرلمانية: يخضع المجلس لسلطة مجلس النوّاب، فهو جزء من السلطة التنفيذيّة، وفقاً لنصوص الإعلان الدستوري وتعديلاته.
المحور الثاني: المرض والشرعية، فراغ دستوري خطير.
في ظل غياب نصوص صريحة في الإعلان الدستوري الليبي حول كيفية التعامل مع تصرفات الرئيس المريض، تبرز إشكالية قانونية حرجة. بالمقارنة مع دساتير أخرى:
– الدستور التونسي (المواد 83-84): تُنظم مسألة صلاحيات الرئيس في حال العجز الصحي.
– الدستور المصري (المادة 160): تحدد من يحل محل رئيس الجمهورية، إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرته لسلطاته.
– الدستور الفرنسي (المادة 7): تنظم التفويض المؤقت للسلطات.
فالأنظمة الدستورية تختلف في تنظيمها لحالة عجز الرئيس أو مرضه، لكنها تشترك في ضرورة ضمان استمرارية الدولة وعدم تأثر القرارات السيادية بأوضاع صحية طارئة.
– تداعيات المراسيم: بين الإبطال القانوني والانقسام السياسي:
أ. على المستوى القانوني:
– عدم الاختصاص: المراسيم تنتهك مبدأ توزيع السلطات، وقواعد الاختصاص، مما يجعلها قابلة للإبطال أمام القضاء الدستوري.
– بطلان التّصرف: إذا ثبت أن المرض أثر على قدرة المنفي على اتخاذ قرارات سليمة (بتقرير طبي معتمد).
ب. على المستوى السياسي:
– حاول المنفي تمرير قرارات أحادية، بشكل مضاعف فهي أحادية لأنها صدرت منه لوحده بدون موافقة بقية أعضاء المجلس، وحتى على افتراض صدورها عن المجلس الرئاسي مجتمعاً، فهي تصرف أُحاديّ لأن هذه المرحلة الانتقالية يحكمها مبدأ التوافق بين الأجسام السياسية.
-تقويض الثقة: أضعفت، هذه المراسيم شرعية المجلس الرئاسي في ظل غياب التوافق الداخلي والخارجي.
– تأجيج الصراع المؤسسي: لقد استنكر مجلس النوّاب هذه الخطوة واعتبرها “تجاوز سافر للاختصاصات”.
– تعطيل المسار الانتقالي: المخاوف من انزلاق البلاد إلى مزيد من الانقسام.
– الخلاصة: هذه المراسيم الصادرة بشكل منفرد تعتبر خروجاً عن الإطار الدستوري، وتنتهك مبدأ التوافق الذي يحكم المرحلة الانتقالية.
– التوصيات:
1. رقابة برلمانية عاجلة: فعلى مجلس النوّاب التحقق من الحالة الصحية لرئيس المجلس الرئاسي، ومدى قانونية المراسيم.
2. سد الفراغ الدستوري: بإصدار نصوص تنظم حالات العجز الصحي للرؤساء.
3. العودة إلى مبدأ التوافق: كأساس لأي قرارات في المرحلة الانتقالية، فالأزمة الليبية لا تحتمل مزيداً من القرارات الأحادية.
بقلم: د. صالح محمد المخزوم، أستاذ القانون الدستوري بجامعة طرابلس.
مناقشة حول هذا post