وسط توترات سياسية وأمنية متصاعدة في ليبيا، تلوح في الأفق بوادر أزمة منفلتة، محورها الصراع للسيطرة على المصرف المركزي، الذي تحول إلى جبهة تنافس تهدد استقرار البلاد ووحدته.
وتعيش ليبيا على وقع نزاعات سياسية مستمرة، وهي خلافات لها طابع قانوني ظاهري، إذ تلجأ كل مؤسسة إلى تأويلات مختلفة لنطاق سلطاتها، في محاولة لإضفاء المشروعية على مواقفها وإجراءاتها وقراراتها.
والأحد الماضي، أعلن المجلس الرئاسي تعيين محمد الشكري محافظا جديدا للمصرف، وإقالة المحافظ الحالي الصديق الكبير، وهو ما سارع مجلس النواب وكذلك المجلس الأعلى للدولة لرفضه، مؤكدين أن تعيين المحافظ من اختصاصاتهما، وليس اختصاص المجلس الرئاسي.
وأوضح المجلس الرئاسي في بيان مساء الأحد الماضي، أنه اتخذ قراره بالإجماع، بوضع قرار مجلس النواب الذي سبق واتخذه عام 2018 بشأن انتخاب محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي وتشكيل مجلس إدارة جديد، مؤكدا أن هذا القرار وافق عليه جميع أعضائه، في إطار تحمل مسؤوليته الوطنية للحفاظ على مقدرات البلاد، ومنع تعرضها لأي ضرر.
محليا، طمأن الرئاسي الليبيين بأن هذه الخطوة تهدف إلى ضمان استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد»، لافتاً إلى أن هذه التغييرات «تأتي لتعزيز قدرة المصرف المركزي على القيام بمهامه بكفاءة وفعالية، بما يضمن استمرارية تقديم الخدمات المالية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
دوليا، كما طمأن المجتمع الدولي، بأن هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز الحوكمة والاستقرار المؤسسي في ليبيا»، وتأكيد الالتزام «بالتعاون مع جميع الشركاء الدوليين لضمان تنفيذ هذه التغييرات، بما يخدم مصلحة الشعب الليبي وتعزيز مناخ الثقة داخلياً وخارجياً.
ويأتي قرار المجلس الرئاسي بعد يومين من صدور قرار رئاسة مجلس النواب بشأن إيقاف العمل بالقرار رقم 3 الصادر في عام 2018 بتكليف محمد الشكري محافظاً لمصرف ليبيا المركزي.
وخلال أغسطس الجاري، تعرض المصرف لمضايقات، حيث تعرضت المؤسسة وموظفوها وأنظمتها لتهديدات متزايدة، وناقش محافظ المصرف، الصديق الكبير، ذلك في لقاءين منفصلين مع القائم بأعمال رئيس البعثة الأممية لدى ليبيا، ستيفاني خوري، والمبعوث الأميركي لليبيا، ريتشارد نورلاند، اللذين أبديا دعمهما لعمل واستقرار المصرف المركزي، كما أكد المصرف رفضه لما وصفه بالأساليب الغوغائية التي تُمارسها بعض الأطراف خارج إطار القانون، وتُهدّد سلامة موظفيه، واستمرار عمل القطاع المصرفي.
في سياق ردود الفعل، لوّح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بإغلاق النفط، قائلاً إنهم لن يسمحوا بذهاب عائداته إلى أيادٍ غير أمينة، مضيفا أن المجلس لا يستمد شرعيته من الاتفاق السياسي، إنما من الإعلان الدستوري، وهو باق حتى انتخاب مجلس نواب جديد.
وأشار رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى أن المجلس الرئاسي ليس لديه أي صلاحيات بحسب الاتفاق السياسي، وهو ليس رئيسًا للدولة.
من جهته، أكد النائب في المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، أنه لا مجال اليوم للعودة إلى الاحتراب أو التناحر لتحقيق المكاسب أو استيفاء الحقوق.
وقال اللافي إن الطريق الوحيد الذي لا خيار غيره هو الحوار الذي يفضي إلى توافقات تسهم في إنقاذ الوطن، مشدداً على وحدة الوطن واستقراره وأن الشراكة الوطنية هي السبيل لتعزيز العدالة المنشودة.
وفي سياق آخر، أعلن الشكري، اعتذاره عن مهام محافظ المركزي دون توافق مجلسي النواب والدولة، قائلا: “أترك الجمل بما حمل”.
وأوضح الشكري في بيان نشره على حسابه بفيسبوك، أن اشتراطه توافق الجهتين التشريعيتين جاء من أجل الحفاظ على المؤسسة النقدية من التشظي وتأثر سمعتها أمام المؤسسات النقدية المناظرة في العالم.
وأفاد الشكري بتلقيه اتصالات كثيرة لتمكينه، قائلاً “إن الطرق لا تتوافق مع مبادئي وعقيدتي”، مضيفاً أن تاريخه المهني والوظيفي والأخلاقي لا يسمح له بأن يكون جزءاً من هذا العبث.
وأضاف الشكري أن التجاذبات والمماحكات السياسية بين الجهتين المعنيتين التي تشترط الاتفاقات السياسية توافقهما، قد تؤثر بشكل مباشر على حرية إدارة الأموال الليبية في الخارج وتمكين الليبيين من الاستفادة منها، وفق قوله.
وأوضح أنه أدى القسم القانوني تبعاً لقرار مجلس النواب رقم 3 في 2018 بتكليفه بمهام محافظ مصرف ليبيا المركزي، لافتا إلى أنه لن يبخل بجهده وعمله وخبرته مستعيناً بكفاءات ليبيا وخبراتها لوضع حد لأزمات سعر الصرف، والسيولة، ومحاربة التضخم، وتفعيل أداء القطاع المصرفي ليقوم بدوره، مشدداً على أن يكون ذلك وفقاً للتشريعات النافذة والقوانين السارية والاتفاقات الموقعة.
ويتولى الصديق الكبير منصب محافظ المصرف المركزي منذ عام 2012، ويواجه انتقادات متكررة بشأن كيفية إدارته للموارد النفطية الليبية وموازنة الدولة، توجهها شخصيات بعضها مقرب من عبد الحميد الدبيبة.
مناقشة حول هذا post