ليس هناك شيء خارج النسق السياسي في استقبال وزير الخارجية التركي لابن خليفة حفتر رئيس جهاز الإعمار بأنقرة، كل ذلك يأني في سياقات سياسة المحاور الإقليمية، ومدى تأثيرها المباشر وغير المباشر على مجريات الأحداث المحلية والإقليمية والدولية سواء بسواء؛ ولكن تيار التأزيم لا يسمعون ولا يتفكرون ولا يعقلون، ومن ثم فهم تيار الشغب السياسي الذي يجهض كل مساعي الاستئناف السياسي، في كل مرحلة، وعند كل منعطف من منعطفات المشهد الليبي.
لقد كانت الأجندة السياسية للتوافق مستوعبة لحاجات وضرورات ومتطلبات استئناف العملية السياسية، وواجهت في كل مرة نابتة التأزيم التي قاومت الاستئناف السياسي بغير وعى، تلزها دوغما طائفية دينية لطالما حرضت على الكراهية المقدسة بين أبناء المجتمع الليبي المنكوب بحكم العوائل الفاسدة منذ مارس 1949م،ثم نكب بحكم العسكر الشمولي، ثم بتيار التأزيم لإجهاض جنين السياسة الذي قص حبله السري يوم 7 يوليو 2012م بانتخابات المؤتمر الوطني.
مسيرة التأزيم التي يقودها محفل الأفغان الليبيين بقيادة الملا المتعصب الغرياني من محطة تخريب للعملية السياسية إلى محطة محاولات فاشلة لتفجير للموقف، فصار محفل الأفغان الليبيين مسجدا للضرار إرصادا لكل من يسعون لبث الكراهية والتضليل الديني بين أبناء الهيئة الاجتماعية الليبية الحالية، مرة باستخدام حصان طروادة المسمى بمذهب أهل البلد، وأخرى بمزايدات فارغة كاذبة آثمة على دماء شهداء ثورة فبراير السابع عشر، وثالث أثافيهم السيادة الوطنية وتخوين كل المخالفين لهم من أبناء المجتمع الليبي.
لا يوجد ما يستغربه ولا ما ينكره تيار التوافق تجاه جلوس حفتر وأبنائه مع وزير الخارجية التركي ولا حتى مع مقام الرئاسة التركية نفسها، ليس هناك ما نستغربه ولا ما ننكره، بل كنا ندعو لذلك وبشكل صريح فصيح وواضح منذ الأيام الأولى لمسار الصخيرات 2015م،ثم مسار تصحيح الخرق الجسيم عبر مسار جنيف التكميلي 2021م، ومهما يكن من شأن فنحن قد نتفهم دواعي ارتباك وتردد موقف الوزير حينها تجاه أجندة الوفاق، الذي بات يدرك الآن مدى فداحة نتائج ذاك التردد اليوم، وما فوته من الفرص ومعادلات جراء ذاك التردد، على الرغم من وضوح الرؤية التي قدمناها حينها، وإلا لما تحيز اليوم إلى تلك الرؤية التي قدمناها وشرحنا مسوغاتها السياسية بشكل مفصل ومقدر، وأنها كانت تقديرا سياسيا واقعيا مستوعبا لكل معطيات الواقع، وليست رجما بالغيب وآماني معسولة، بل حسابات سياسية أسست على مراعاة المصالح الوطنية ومدى وطبيعة تقاطعاتها الإقليمية والدولية، مما كان يستحيل علينا تجاهلها بحال، ولكن وكما يقال دائما أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا.
بقلم صلاح الشلوي
مناقشة حول هذا post