قال الباحث في مجال إدارة النزاعات عبدالرؤوف الجروشي، إنه بعد عشر سنوات من وساطة البعثة الأممية لحل معضلة الصراع الليبي، قدم المبعوث الأممي باتيلي استقالته مؤخراً ليعكس فشلا مستمرا للأمم المتحدة في ليبيا، وليؤكد على استمرارية الوضع بعيدا عن الاستقرار والوحدة.
هذا الأمر يلفت النظر لإعادة قراءة الوساطة الأممية التي اتبعت نهج وساطة يعمل على ترضية الفاعلين الأربعة فقط، وهم: مجلس النواب، مجلس الأعلى للدولة “المؤتمر الوطني العام سابقاً”، القيادات العسكرية، الحكومات الانتقالية.
نهج الوساطة الأممية يرتكز بشكل أساسي على تقسيم السلطة مؤقتًا على الفاعلين السياسيين والعسكريين، وعليه، يتم توجيه المسار السياسي للدولة إلى الانتخابات للحصول على قيادة جديدة تمتلك الشرعية الكاملة. هذا النهج تم اتباعه في حالات دولية عديدة، ومنها حالة لبنان عبر اتفاق الطائف الذي قسم السلطة على الطوائف المكونة للمشهد السياسي اللبناني.
مع ذلك، في الحالة الليبية، بالرغم من أن النهج قدم حلولاً قصيرة المدى كتحويل الصراع من شكله العنيف إلى السلمي على مرتين، وذلك كان واضحاً في اتفاق الصخيرات واتفاق جنيف، إلا أنه فشل في تحقيق أهداف طويلة المدى كالوصول لحل جذري للأزمة والوصول لانتخابات تنهي حالة التشرذم السياسي.
لذلك، تبرز العديد من الأسباب التي أفشلت جهود الوساطة الأممية بشكل متكرر في العقد الماضي، بدايةً، يعد التركيز على الانتخابات كأداة للتحول السياسي في السياق الليبي خيارا هشا، خاصةً أن البيئة الديمقراطية للدولة غير متوفرة لاحتضان أي عملية انتخابية نزيهة.
بالإضافة لذلك، فإن عملية الوساطة في الصراعات الممتدة لابد من أن تكون عملية تراكمية ومكملة لبعضها البعض، فعند تقييم مسار الوساطة للعقد الماضي، نرى أن كل مبعوث أممي يعمل بأسلوب مغاير وغير متناسق مع المبعوث السابق.
عليه، كأثر غير مباشر لنهج تقاسم السلطة فإن حالة الانقسام المناطقي بين الشرق والغرب زادت بشكل غير مسبق، فمنذ عام اتفاق الصخيرات انقسمت الدولة إلى دولة مركزية في الغرب بحكومة الوفاق ومن ثم الوحدة الوطنية والمجلس الأعلى للدولة، ودولة موازية في الشرق بحكومات انتقالية ومجلس النواب، بجانب ذلك، مشاكل طباعة العملة والميزانيات الموازية التي أرهقت وأربكت الاقتصاد الوطني.
في الختام، نعم لا يمكن أن يقع اللوم في فشل الوساطة الأممية على البعثة فقط، بل تعد الإرادة السياسية للأطراف والفاعلين عاملا مهما في نجاح أي عملية وساطة، مع ذلك، فإن الوسيط أيضاً لابد أن يطور نهج وساطة يتماشى مع المعطيات السياسية لدولة الصراع.
بالتالي، فإن البعثة الأممية في ليبيا تحتاج لإعادة تقييم ودراسة معمقة لمدى فاعلية نهج تقاسم السلطة، وتقديم مقترحات جديدة بعد عقد من الفشل، بل من رأيي عقد من تعزيز الأزمة.
مناقشة حول هذا post