جيش واحد ولاؤه لله ثم الوطن.. في هذه الكلمات يختصر الليبيون مطالبهم بعد فوضى مسلحة عاشتها البلاد عقدا كاملا أفرزت تشكيلات مسلحة متباينة، وانقسامات في المؤسسة العسكرية والأمنية، ما أدى إلى ضعفها وهشاشتها، في مقابل زيادة نفوذ التشكيلات والميليشيات المسلحة، وهو ما قاد البلاد إلى أتون الحروب لأكثر من 11 عاما متواصلة.
لم يكن حلم المؤسسة العسكرية المنشودة يبدو قريبا لسنوات، لاسيما مع احتدام الانقسام بين مؤسسات الدولة شرقا وغربا، حتى وُلدت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 من رحم الحرب الكبرى التي شهدتها البلاد في أبريل من العام 2019، لتبدأ هذه اللجنة تشكيل حلقة الوصل الأولى بين العسكريين في شرق البلاد وغربها، وتتوج هذا التواصل بإعلان الوقف التام لإطلاق النار في البلاد بأكتوبر عام 2020م.
الاتفاق الأخير مهّد الأرضية لمزيد من الحوارات بين رجالات المؤسسة العسكرية؛ لمحاولة لملمة شتات الجيش، وخلق قنوات اتصال والدفع قدما نحو الأمام في هذا الملف، وهو ما أوجد أجواء إيجابية شهدها الجميع للمرة الأولى طيلة السنوات الماضية، وتفاءل بها الخبراء العسكريون في إعادة المسار العسكري إلى “السكة الصحيحة”.
المسار العسكري وعلى الرغم من نجاحه في ذلك الوقت، غير أنه تعثّر جراء شبح الانقسام الذي خيّم على البلاد عقب فشل حكومة الدبيبة بعد تسلّم مهامها من التفاهم والانسجام مع السلطات المسيطرة على المنطقة الشرقية، والذي دفع بالأخيرة إلى تخاذ خطوة إلى الوراء، وازدادت تراجعا بعد سحب الثقة منها من قبل مجلس النواب الليبي.
غير أن جهودًا حثيثة بذلها كل من رئيس الأركان العامة للجيش الليبي الفريق أول محمد الحداد ونظيره بالمنطقة الشرقية عبد الرازق الناظوري أحيت الحلم من جديد، بعد لقاءات متوالية جمعت الجانبين، أولها في سرت، فالقاهرة، والأخير في العاصمة طرابلس، ولعل القادم يكون في بنغازي.
جهود الحداد والناظوري تمثلت في بحث إيجاد آلية لتوحيد المؤسسة العسكرية شرقا وغربا تحت مؤسسة واحدة، يقودها رئيس أركان موحد، نتيجتها انتهاء الانقسام دون عودة، وتحقيق الإرادة الوطنية.
في حال تُوجت هذه الجهود، فإن كثيرا من التساؤلات تتوجه إلى شكل القوة العسكرية الموحدة، فالجيش الليبي في الغرب، والقيادة العامة في الشرق لا بد أن ينصهرا تحت مسمى واحد، لفظا ومعنى، أي أن القيادة لن تتشتت، بل ستغدو الدفة بربان واحد يرتضيه الجميع.
هذا الأمر إستراتيجيا سيمنح الجيش القدرة على العودة إلى الواجهة من جديد بقوة بشرية وتعبوية ستتيح له إعادة ترتيب صفوفه، ووضع الخطط لبسط السيطرة على كامل البلاد، والتعامل مع الجماعات الخارجة عن القانون، ودمج وإعادة تشكيل المجموعات المسلحة.
وهو أمر وإن كان صعبا ويحتاج إلى الوقت والدعم؛ فإنه لن يكون مستحيلا في ظل توحّد جهود المؤسسة العسكرية، وعمل أفرادها تحت إمرة رئيس أركان موحد يملك قرارا نافذا في أقاليم البلاد الثلاثة.
وليس غريبا أن مثل هذه الخطوة قد تلقى رفضا تاما وربما رفضا مسلحا من قبل التشكيلات التي ملأت الفراغ في غياب المؤسسة العسكرية، وتولت هي مهام التأمين، والتعامل المسلح، وغيرها من مسؤوليات ربما لن تتنازل عنها بشكل سهل، وهو ما يتعين على رئيس الأركان الموحد توقعه ووضع الخطط لمعالجته.
لن تكون مهمة توحيد الجيش، ولا ما بعدها سهلة أمام القادة والضباط القائمين به، ولكنها إنجاز سينهي أعواما من الانقسام العسكري الذي خلق الفراغ للتشكيلات المسلحة للعبث بالأمن الداخلي والقومي للبلاد، والبداية الصحيحة هي بناء الدولة في ظل جيش قوي يحمي شعبها، ويصون مقدراتها.