كشفت منصة ميدان في تقرير لها عن إمكانية عودة الصراع وأن تشهد ليبيا حربا أهلية مجددا بعد قرابة العامين من توقف الحرب فيها.
وأوضحت المنصة التابعة لشبكة الجزيرة أن الدبيبة يرفض الاستقالة والتنحي عن السلطة، مستندا في بقاء حكومته إلى مُخرَجات ملتقى الحوار الليبي الذي رعته الأمم المتحدة وحدَّدت فيه مدة عمل السلطة التنفيذية الانتقالية بـ 18 شهرا تمتد حتى يونيو القادم؛ وفي المقابل يرفض البرلمان تلك الرؤية، ويُصر على سحب الثقة منه بدعوى فشل حكومته في المهام الموكلة إليها بمحاربة الفساد وتوحيد مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش، والأهم عجزه عن إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها في 24 ديسمبر 2021.
وأشارت المنصة إلى أن الاستعداد بدأ للصدام الأهلي الوشيك مبكرا بعد تصريح الدبيبة بأنه لن يسمح بمرحلة انتقالية جديدة، ولا بسلطة موازية في ليبيا، مشيرا إلى أن تعيين البرلمان حكومة جديدة يعني الحرب والفوضى في البلاد، لا سيَّما أن الطريق ليست مُمَهدة لإجراء الانتخابات الرئاسية التي فات موعدها.
وبين الموقع أنه مع تنصيب مجلس النواب في طبرق حكومة باشاغا، ورفض الدبيبة التنحي عن السلطة، باتت ليبيا كلها في حالة الترقب، بما في ذلك المجلس الرئاسي نفسه الذي التزم الحياد بهدف مراقبة مصير الرجلين من بعيد، وانتظار تحوُّل الأمور لصالح أحدهما.
وبينما تلوح في الأفق بوادر الانقسام السياسي والجغرافي من جديد، يبدو السيناريو الأقرب على الأرض هو تجدُّد الحرب الأهلية لعلها تحسم هذه المرة بالقوة ما عجزت السياسة عن حسمه بالوفاق.
وأشار الموقع إلى أنه في ظل وجود حكومتين في البلاد، الأولى أدت اليمين أمام مجلس النواب، والثانية ترفض تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، مع غياب تفعيل المحكمة الدستورية للفصل في ذلك الخلاف؛ لا يمتلك الدبيبة أي أوراق سياسية فعلية سوى الاعتراض قائلا إن خطوة البرلمان غير دستورية، لا سيَّما أن البرلمان لا يواجه تحرُّكا فعليا ضده من مجلس الدولة والمجلس الرئاسي، وهو ما يعني أن الكفة تميل سياسيا بالفعل لصالح باشاغا.
واعتبر الموقع أن التطورات الحالية تُمهِّد إلى الدعوة الصريحة إلى انقسام المؤسسات الليبية السيادية التي ما زالت تلتزم الصمت حتى اللحظة، مثل المصرف المركزي، الذي على الرغم من كونه موجودا في قلب العاصمة طرابلس ويستحوذ على الجزء الأكبر من مدخرات البلاد، فإن وجود مصرف موازٍ له في الشرق سيلعب دورا في تأكيد حالة الانقسام الاقتصادي.
وفيما تلتزم مؤسسة النفط الحياد حتى اللحظة، فإن انقسامها مع استمرار الخلاف ليس مستبعدا. ويُخبرنا الماضي القريب أن حفتر استفاد من حالة الانقسام تلك والفوضى المصاحبة لها عام 2014، وقاد عملية عسكرية حاول خلالها إسقاط العاصمة طرابلس.
واعتبر التقرير أن باشاغا يمتلك نفوذا سياسيا وعسكريا فيها قد يضاهي نفوذ القوى الموالية للدبيبة، وقد تعمَّد باشاغا الإعلان عن مقابلة مع عدد من أبرز قادة كتائب مصراتة، من بينهم آمر “شعبة الاحتياط” بقوة مكافحة الإرهاب، وآمر “كتيبة 166 للحماية”، في إشارة صريحة إلى أن المعادلة العسكرية متكافئة بين داعمي الدبيبة الذين يطالبون بطرح مشروع الدستور للاستفتاء، مع إجراء انتخابات برلمانية عاجلة، وداعمي باشاغا ممن يدعمون قرار البرلمان بحل حكومة طرابلس.
وأضاف المقال أنه في ظل حالة الاستقطاب بين الحكومة والبرلمان، يتبقى في المشهد مجلس الدولة والمجلس الرئاسي، وهما جهتان سياسيَّتان محوريتان من الممكن أن ترسم أيٌّ منهما معالم الانقسام.
المجلس الرئاسي، يلتزم رئيسه “محمد المنفي” الصمت حتى اللحظة، ويتمسك بلعب دور الوسيط لتجنيب ليبيا مصير الانقسام النهائي إلى حكومتين، مع أمل الوصول إلى مخرج للمأزق السياسي والدستوري، على الرغم من أنه جاء إلى منصبه بالصفة الشرعية ذاتها التي أوصلت الدبيبة إلى الحكم (مباحثات جنيف).
وأضاف المقال أن مجلس الدولة برئاسة “خالد المشري” لازال موقفه ضبابيا غير واضح المعالم، فبينما يدعم الدبيبة شكليا بعد إعلان مضطرب عن دعم باشاغا في البداية، فإنه يبني دعمه على مخالفة البرلمان للاتفاق السياسي بضرورة أخذ رأي المجلس قبل اختيار اسم رئيس حكومة جديد، ما يفتح الباب لصفقات محتملة.
واعتبر الموقع أن ما يزيد الأمور تعقيدا هو أن الانتخابات تأجَّلت إلى أجل غير مُسمّى، مع تأكيد الدبيبة أنه لن يُسلِّم السلطة إلا عبر انتخابات، إذ أكَّد الرجل مرارا أنه لن يقبل بأي صيغة أخرى للخروج من منصبة؛ ما يجعل الحل العسكري خيارا وحيدا لحسم الصراع بين الطرفين، وفرض واقع سياسي جديد بواسطة السلاح بعد فشل إجراء الانتخابات.
وبين الموقع أن بخلاف ذلك، يمتلك مجلس النواب، صاحب السلطة التشريعية المعترف به دوليا، أحقية قانونية لشرعنة أي صراع مرتقب، وتلك هي واحدة من أكبر أزمات ليبيا خلال عقدها المنصرم، فمن بوابة البرلمان انقسمت ليبيا عام 2014 إلى حكومتين متنازعتين عقب رفض البرلمان قرار المحكمة العليا، أعلى سُلطة دستورية، ببطلان الانتخابات، وعبر بوابة البرلمان عاد حفتر إلى بدلته العسكرية رسميا، وأدى القسم القانونية لتولي منصب القائد العام للجيش.
وقد فرض البرلمان رأيه سابقا وتجاوز الجميع فيما يخص ترتيبات إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال خطوات تعديل الحكومة، ثم بدأ مشاورات خاصة لاعتماد القاعدة الدستورية، تليها القوانين الانتخابية، وهي خطوات يعارضها مجلس الدولة، لكنه فشل سابقا في عرقلتها فعليا، وحتى المجتمع الدولي نفسه فشل سابقا في الضغط على البرلمان لتثبيت حكومة الدبيبة، ويخشى الدبيبة فعليا من سطوة البرلمان لكونه يمتلك شرعية شن الحرب، وهي حرب قد لا تخرج نتائجها في صالح طرابلس بالنظر لما يشكله انضمام باشاغا إلى الشرق من إضعاف لجبهة الغرب، في حين تظل قوات حفتر على حالها دون انقسامات.
أما فيما يتعلق بدور الأمم المتحدة بين المقال أن عجز الأمم المتحدة في الوصول إلى حل سياسي يُنهي حالة الصراع في الداخل الليبي يبدو جليا للجميع، فتأكيدها على الاعتراف بشرعية الدبيبة دون سواه لم يحل المشكلة، كما فشلت حتى الآن الوساطات الدولية والمحلية لمنع العودة إلى النزاع المسلح. وبدلا من ذلك، تجاهلت المستشارة الأممية بشأن ليبيا “ستيفاني وليامز” المُعضلات الأساسية، وطرحت مبادرة نصت على البدء الفوري بإجراء مشاورات بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة لوضع أساس دستوري ينقل البلاد إلى الانتخابات في أقرب وقت، دون أن تتناول الحشد العسكري من الطرفين في الفترة الأخيرة.
وأضاف الموقع أنه بينما تشهد ليبيا تنازعا بين شرعيتين، لم تتدخل الأمم المتحدة كعادتها للحيلولة دون تجدُّد الصراع العسكري، وهو ما حدث سابقا حين شن حفتر حربه على حكومة الوفاق السابقة المعترف بها دوليا، التي طالبت بفرض عقوبات على حفتر أو الدول الداعمة له دونما استجابة آنذاك.
وينهي المقال الكلام بالقول إنه في ظل وصول الأزمة إلى طريق مسدود دون مبادرة سياسية حقيقية تجلب الفرقاء إلى طاولة المفاوضات والتنازلات، لا يبدو أن المجتمع الدولي في خضم انشغاله بصراعات أشد احتداما -مثل أوكرانيا- مُهتمّا بما يدور، وعلى الأرجح أنه سيتجاهل الصراع العسكري مرة أخرى على أمل أن يفرض المنتصر شرعيته السياسية في النهاية.