مفوضية الانتخابات..مخاوف من التسييس والمحاصصة

حذّر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى من أن الضغوط المتزايدة التي تمارسها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مدعومة من الهيئتين التشريعيتين المتنافستين في البلاد، لإعادة هيكلة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات قد تقود إلى تسييس إحدى آخر المؤسسات الليبية التي لا تزال تحظى بثقة عامة واسعة.
وبحسب تحليل المعهد، تأتي هذه الدعوات في وقت تستعد فيه ليبيا لاستئناف عملية انتخابية طال انتظارها، فيما تُعد المفوضية الجهة الوحيدة التي حافظت منذ تأسيسها عام 2012 على مستوى عالٍ من المهنية والاستقلالية، على عكس معظم مؤسسات الدولة التي تعرضت للانقسام والتسييس.
مفوضية الانتخابات ..استقلالية محلية وثقة دولية
أشرفت المفوضية خلال السنوات الماضية على عمليات تسجيل ملايين الناخبين وتنظيم انتخابات برلمانية وبلدية ودستورية، دون اتهامات جدية بالتحيز أو الفشل التقني، وقد عزّزت انتخابات 26 بلدية في أغسطس الماضي، والتي سجلت نسبة مشاركة بلغت نحو 71%، سمعة المفوضية بعد أن أعلنت نتائجها بشفافية وصادقت على 34 مجلساً بلدياً مطلع سبتمبر.
كما حظيت المفوضية بدعم دولي كبير، إذ أسهم الاتحاد الأوروبي بأكثر من 10 ملايين يورو عبر مشروع “دعم الانتخابات”، وقدمت المملكة المتحدة نحو 341 ألف دولار لتعزيز جاهزية المفوضية، بينما خصصت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية نحو 13.3 مليون دولار لدعم العمليات الانتخابية في ليبيا، ما يعكس ثقة دولية راسخة في استقلالية المؤسسة.
إصلاح مؤسسي.. تهديد بالتحول إلى تقاسم نفوذ سياسي
وتقترح الخارطة السياسية الأخيرة لبعثة الأمم المتحدة إعادة تشكيل مجلس إدارة المفوضية، بما يشمل تعيين رئيس جديد تحت ذريعة “تصحيح الوضع القانوني” وتعزيز “المصداقية”. غير أن التحليل يحذّر من أن فتح ملف التعيينات داخل المفوضية في ظل الانقسام القائم بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة قد يدفع المؤسسة إلى منطق المحاصصة الإقليمية، ويُدخل الصراع السياسي إلى داخلها، على غرار ما حدث لمؤسسات سيادية أخرى انتهت إلى الانقسام والتعطيل.
ويرى معهد واشنطن أن تغيير قيادة المفوضية الآن سيعني عملياً إبطاء الاستعدادات الانتخابية، إذ سيحتاج المسؤولون الجدد إلى وقت طويل لفهم الملفات التقنية والسياسية، مما قد يؤدي إلى تأجيل جديد للانتخابات التي كان من الممكن إنجاز خطواتها خلال أشهر.
المشكلة ليست المفوضية… بل الانسداد السياسي
ويؤكد التحليل أن المفوضية ليست العقبة الحقيقية أمام إجراء الانتخابات، بل إن السبب الرئيس يكمن في الخلافات المستمرة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن القوانين الانتخابية، وشروط الترشح، وترتيب الاستحقاقات، وهي ملفات لا تدخل ضمن صلاحيات المفوضية بل تتطلب توافقاً سياسياً غائباً منذ سنوات.
كما يشير التقرير إلى أن بعثة الأمم المتحدة تجد نفسها عاجزة عن فرض حلول حقيقية طالما يرفض القادة السياسيون أي ترتيبات تهدد امتيازاتهم، ما يدفع البعثة – وفق التحليل – إلى التركيز على ملفات أقل حساسية مثل إصلاح المفوضية، رغم أن هذا المسار قد يُستخدم كذريعة لعرقلة العملية الانتخابية.
المفوضية… آخر نقطة توازن وسط الانقسام
يخلص التحليل الصادر عن معهد واشنطن للشرق الأدنى إلى أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بتركيبتها الحالية، تمتلك القدرة الفنية والثقة العامة لإدارة انتخابات حرة وشفافة، وأن المساس باستقلاليتها في هذه المرحلة قد يهدد بإسقاط آخر مؤسسة ليبية تحافظ على الحد الأدنى من الحياد.
وبالتالي، فإن إصلاح ما هو سليم – بحسب التقرير – قد يؤدي إلى تعميق الأزمة بدل حلّها، في وقت تحتاج فيه ليبيا إلى مؤسسة انتخابية مستقلة أكثر من أي وقت مضى.