وسط تنامي الاحتجاجات بالدول العربية والإسلامية المتضامنة مع فلسطين والمستنكرة للهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، ليبيا لم تكن الاستثناء، حيث تعالت الأصوات الشعبية المنددة بالهجمات الإسرائيلية، وهي المظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها معظم مدن ليبيا واعتبرها العديد من المراقبين رفضا شعبيا متجددا للتطبيع.
ولا تعد الاحتجاجات الرافضة للتطبيع مع إسرائيل الأولى في البلاد، حيث شهدت العديد من المدن والمناطق في أغسطس الماضي، احتجاجات استمرت لأكثر من أسبوع، وذلك رفضاً للقاء وزيرة الخارجية بحكومة الدبيبة نجلاء المنقوش، مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، بوساطة إيطالية في روما.
ويحظر القانون الليبي رقم 62 الصادر في 1957 على كل “شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقا من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو مع من ينوب عنهم.
ويعاقب كل من يخالف ذلك بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على 10، ويجوز الحكم بغرامة مالية.
وكان موقع أفريكا أنتليجنس، قال إن الهدف من اللقاء المثير للجدل بين وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين هو أن يكون مقدمة للقاء بين عبدالحميد الدبيبة ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ووفق وكالة رويترز بحث الطرفان المنقوش ووزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي إيلي كوهين الإمكانات الكبيرة للعلاقات بين البلدين، فضلا عن أهمية الحفاظ على تراث اليهود الليبيين، بما يشمل تجديد المعابد والمقابر اليهودية في البلاد.
وناقش الجانبان العلاقات التاريخية بين البلدين، وإمكانية التعاون بين الدولتين والمساعدات الإسرائيلية في القضايا الإنسانية والزراعة وإدارة المياه.
فيما نقلت رويترز عن مسؤول إسرائيلي، أن لقاء نجلاء المنقوش مع وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين جرى التنسيق بشأنه على أعلى المستويات في البلدين.
وأوضح المسؤول أن الاجتماع جرى الاتفاق عليه مسبقا واستمر لقرابة ساعتين من الزمن، حيث يرى عبدالحميد الدبيبة أن إسرائيل بمثابة جسر محتمل للغرب والإدارة الأمريكية.
من جانبها، ذكرت القناة “13” الإسرائيلية، أن كوهين والمنقوش بحثا التعاون وإمكانية حصول ليبيا على مساعدة إسرائيلية في المجال الإنساني.
ونقلت القناة عن كوهين قوله إنهم يعملون من أجل التواصل مع المزيد من الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، بهدف توسيع دائرة السلام والتطبيع مع إسرائيل، واعدا ببناء العلاقة مع ليبيا كونها تشكل تطورا مهما بالنسبة لإسرائيل بفضل موقعها الإستراتيجي.
ونقل موقع “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلي، عن مسؤولين سياسيين لم يسمهم، قولهم إن اللقاء بين الطرفين تم بعد تنسيق على أعلى المستويات في البلدين، وكان قد اتُفق مسبقاً على أن يُنشر.
وأضاف المسؤولون، بحسب الموقع، أن كوهين توجه خصيصا إلى روما من أجل لقاء المنقوش في دار ضيافة رسمية تابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ولم يكن لقاء بالصدفة، وأن الوزيرة لم تفعل شيئاً دون علم الدبيبة.
من ناحيتها، قالت وكالة أسوشيتد برس إن مسؤولين بحكومة طرابلس أكدوا لهم علم عبدالحميد الدبيبة بمحادثات نجلاء المنقوش ووزير الخارجية الإسرائيلي.
وأفادت أسوشيتد برس بأن عبدالحميد الدبيبة أعطى الضوء الأخضر لاجتماع المنقوش والمسؤول الإسرائيلي أثناء زيارته روما الشهر الماضي، وأن نجلاء المنقوش أطلعت الدبيبة على نتائج محادثاتها مع وزير الخارجية الإسرائيلي فور وصولها إلى طرابلس
وأشارت أسوشيتد برس إلى أن عبدالحميد الدبيبة أعطى الولايات المتحدة موافقة مبدئية على انضمامه إلى اتفاق السلام مع إسرائيل.
ومع انطلاق عملية طوفان الأقصى، التي بدأتها حماس في 7 أكتوبر الجاري، سارعت حكومة طرابلس إلى إدانة العدوان على غزة، لاسيما بعد استهداف مستشفى المعمداني في القطاع، حيث قال الدبيبة إثره إن “استهداف المستشفى من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي جريمة وحشية”.
وفسر العديد من المتابعين الليبيين البيانات المتكررة لحكومة طرابلس بشأن إدانتها للعدوان الإسرائيلي، على أنه بمثابة التنصل من الاجتماعات التي عقدتها المنقوش، مع وزير الخارجية الإسرائيلي، وتخوفا من تجدد تلك الاحتجاجات التي كادت أن تطيح بحكومة الدبيبة.
المحلل السياسي الليبي فيصل الشريف، قال في حديث للأناضول، إن “باب التطبيع مع إسرائيل في الأساس لم يفتح حتى يتم إغلاقه، وما يجب أن يقال أن هناك من حاول فتحه ولكنه لم ينجح، نتيجة لهبة الجموع الرافضة لأي محاولة سرية أو في الخفاء أو في جنح الظلام.. لأنها مرفوضة قطعا”.
وأضاف أن “الليبيين سيقفون سدا منيعا في مواجهة كل من تسول له نفسه أن يبيع هذه القضية أو أن يبيع هذا الشعب المظلوم (الفلسطيني) ومقدساته”.
وتابع “نعلم جميعا أن كل من يتودد لإسرائيل، في السابق وحاليا، يحاول اليوم في ظل هذه الفوضى السائدة في ليبيا أن يحصل على مزايا وعلى دعم من القوى الكبرى، وهي الولايات المتحدة كونها الدولة المهيمنة على المنطقة، والساعية بكل قوة لتغيير الواقع السياسي في المنطقة، وتحاول قدر الإمكان أن تضمن لإسرائيل البقاء”.
وأشار الشريف، “إلى أن القانون والوجدان والضمير الليبي سيقف حاجزا أمام كل من تسول له نفسه إن يرضي واشنطن من اجل أن ينال منصبا ويظل حاكماً في ليبيا”.
وأردف “كل طرف يدرك أن الانتخابات غير موجودة والشعب الليبي لن يقول كلمته، وبالتالي يريد أن يحقق المغالبة عن طريق استمالة القوى العظمى التي لديها أهم مشروع مطروح على الطاولة وهو التطبيع مع إسرائيل”.
وعن المظاهرات التي شهدتها طرابلس ومدن ليبية أخرى، قال الشريف، إن المحتجين الذين خرجوا للميادين في شرق البلاد وغربها وجنوبها “يريدون إيصال عدة رسائل لكل الأطراف الليبية بأن القضية الفلسطينية ومقدساتها خط أحمر”.
وتابع ومن الرسائل أيضا أن “القضية الفلسطينية هي الأم، وأن الشرعية الحقيقية هي للشعوب وليست لواشنطن أو باريس أو لندن ومن يتودد للقوة الغربية في سبيل الحصول علي مكاسب أو مناصب سيدرك جليا بأن الشعب يستطيع أن يعاقبه في أي لحظة”.
وأضاف الشريف، “كل الأطراف تتخوف من الهبة الشعبية ورأينا ذلك وانعكس بشكل واضح حتى في تصريحات الدبيبة الأخيرة، حيث تتماشى بشكل كامل مع متطلبات هذا الشعب والشعارات التي رفعها، وبالتالي جاءت كلمته في سياق كل ما خرج من أجله الليبيون، ولا يمكن له أن يقول غير ذلك أو أن يخرج عن الرأي العام الجمعي”.
بدوره، قال المحلل السياسي محمد محفوظ، إن سعي بعض الأطراف للتطبيع مقرون بمسألة البقاء في السلطة، وكل من هم موجودين أو هم جزء من هذه السلطة ليس لديهم مانع من أي خيارات بما فيها التطبيع، وليس لهم مانع في الخوض في هذه الخيارات طالما أنها تضمن لهم البقاء في المشهد”.
واستدرك محفوظ، في حديثه للأناضول، “ولكن بكل تأكيد يظل هذا الخيار وهذا الأمر ليس مدعوما بإرادة شعبية، لذلك من الصعب الحديث أو الخوض فيه لأن الثمن والضريبة ستكون باهظة”.
وأوضح “أثبتت المظاهرات لكثير من المسؤولين في السلطة أو لبعض الأطراف الدولية عدم وجود حاضنة شعبية لقبول التطبيع وتغلق أبوابه وهذا أمر معلوم ومن الصعب الخوض فيه في ظل وجود سلطات هشة وضعيفة”.
وزاد “هذه الخيارات تحتاج إلى سلطات منتخبة قوية نابعة عن إرادة شعبية، وهذا الأمر لن يكون موجوداً طالما أن الشعب ليس قابلاً بهذا الأمر”.
وحول الرسائل التي يريد المتظاهرين إيصالها للأطراف السياسية، قال محفوظ، إن “الرسائل واضحة جداً، القضية الفلسطينية لازالت في وجدان الليبيين، ولازالت محل اهتمام رغم أن ليبيا تعيش أزمة سياسية”.
وختم “بالرغم من هذه الأزمات وحالة الصراع والانقسام في كل المؤسسات إلا أن الليبيين لن يتناسوا دورهم مثل الشعوب العربية والإسلامية في دعم القضية الفلسطينية”.
مناقشة حول هذا post