أثار فرحات بن قدارة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط المكلف من الدبيبة جدلا واسعا في الشارع الليبي عقب تصريحاته خلال اجتماع بمقر رئاسة الوزراء قال فيها إن القيمة السوقية لمصفاة رأس لانوف “صفر” وإن “تخريدها” قد يكون مُكلفا، مبينا أن التركيز الآن على التخلص من الأجسام التي لا توجد لها قيمة مضافة لعملية إنتاج النفط.
بن قدارة يتنصل
وبعد الضجة التي أثارها حديث بن قدارة، سارعت إدارة الإعلام بالوطنية للنفط بنشر توضيح مفاده أن المقصود هو سرعة تشغيل المصفاة؛ تفاديا لتآكلها؛ نتيجة لقربها من البحر وهو بيئة تساعد على انتشار التآكل، لافتة إلى أن هذا منطق علمي، و”المختصون في هذه الأمور يعلمون ذلك جيدا”.
تحذير من محاولات مشبوهة
توضيح يبدو أنه لم يقنع الرئيس السابق للمؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله الذي هاجم تصريحات بن قدارة، موضحا أن قوله بأن المصفاة أصبحت خردة هي ومجمع رأس لانوف “كلام غير علمي وغير مبني على حقائق من الواقع ويخشى أن يكون محاولة لبخس قيمة المصفاة والمجمع لأغراض مشبوهة”.
وفي تدوينة على فيسبوك، قال صنع الله إن الحديث عن تخريد المصفاة وبالتالي تخريد مجمع رأس لانوف الذي يعتمد في وجوده على المصفاة، هو “حديث لا عقلاني وغير مبرر وله آثار كارثية وتبعات ضارة على منطقة رأس لانوف وسكانها ويهدد وجودها وسيعيد الحياة فيها 50 عاما إلى الوراء، ويقضي على فرص العمل والتجارة والتعليم والنشاط الاقتصادي والاجتماعي، ويؤدي إلى هجرة غالبية السكان منها، وتدمير المجتمع القائم الذي يعتمد في وجوده على استمرار بقاء وتشغيل المجمع الصناعي وتطويره وتوسيعه”.
نتائج توقف المصفاة
كشف صنع الله عن هذا الجانب قائلا، إن منع تشغيل المصفاة أدى إلى توقف مجمع رأس لانوف الكيماوي تماما عن العمل لأكثر من 10 سنوات، كما تسبب في نقص الوقود محلي الصنع، الأمر الذي اضطر الدولة إلى شراء وقود الديزل والطيران والزيت الثقيل وغاز الطهي من خارج ليبيا، وتكبيد خزانة الدولة مئات الملايين من الدولارات واضطرارها لصرف جزء من دخل النفط (من حصة الأوبك) لشراء فاقد الوقود من الخارج بمئات الملايين، كما أدى إلى الإضرار بشتى جوانب الحياة بمنطقة رأس لانوف وبن جواد بسبب الركود الاقتصادي وتعطيل الأنشطة التجارية التي تعتمد على وجود المجمع.
المصفاة يمكن أن تعمل
ولفت صنع الله إلى أن ما تحتاج إليه المصفاة لتعود إلى التشغيل والإنتاج والحياة للمنطقة هو إجراء عمرة شاملة غير اعتيادية للمصفاة، موضحا أن العاملين الليبيين بها انتهوا من إعداد برنامج جاهز للتنفيذ يشمل كل الأنشطة اللازمة للعمرة والتقديرات المالية وقطع الغيار اللازمة لتنفيذها، وذلك على الرغم من رفض الشريك المتواصل لإجراء أي عمرة أو صيانة شاملة على المصفاة ومحاولاته تركها متوقفة لابتزاز الجانب الليبي.
خلفية حول وضع المصفاة
مصفاة رأس لانوف هي أكبر مصافي ليبيا بقدرة إنتاجية 220 ألف برميل يوميا، وتشكل 60% من طاقة تكرير النفط في ليبيا، ودخلت الإنتاج في سنة 1984 واستمرت لمدة 25 سنة بعمالة ليبية، إلى أن قامت المؤسسة الوطنية للنفط بعرضها للشراكة من أجل تطويرها وزيادة إنتاجيتها.
وأكد صنع الله أن المؤسسة الوطنية للنفط وقعت عام 2009 على \اتفاقية شراكة لتطوير المصفاة مع شركة تراستا الإماراتية المملوكة لعائلة الغرير بغرض تطوير المصفاة لتحسين جودة المنتجات، ورفع ربحيتها وإنتاجيتها من 80 مليون برميل إلى 130 مليون برميل سنويا.
وعلى الرغم من أنه قد تقدم للمشاركة شركات متخصصة مثل عملاقي النفط العالميين كونكوفيلبس وشيفرون الأمريكيتين، إلا أنه قد فازت عائلة الغرير بالعقد على الرغم من أنها لا تمتلك أية خبرة سابقة في صناعة النفط والتكرير، الأمر الذي يثير علامات استفهام كثيرة حول سلامة الصفقة ونوايا الشريك، يقول صنع الله.
وبعد ثورة 17 فبراير رفض الشريك إعادة تشغيل المصفاة ما لم يوافق الجانب الليبي على تنازلات تؤدي إلى خسارة المؤسسة لأكثر من 240 مليون دولار سنويا و12 مليار دولار على مدار الشراكة ولمدة 25 عاما لصالح المصفاة المشتركة.
المؤسسة قابلت شروط الشريك الإماراتي بالرفض، ما دفعه إلى اللجوء إلى التحكيم الدولي والقضاء في كل من فرنسا وإنجلترا وليبيا، رافعا أكثر من 8 قضايا للمطالبة بتعويضات بمليارات الدولارات، الأمر الذي أدى إلى تعطيل المصفاة ومجمع رأس لانوف البتروكيماوي عن التشغيل حتى اليوم متسببا في خسائر بمليارات الدولارات، وفق صنع الله.
ليبيا تربح القضايا ضد الإمارات
صنع الله أكد أن الشريك الإماراتي خسر حتى الآن 6 قضايا أمام الدولة الليبية عقب جهود كبيرة من المؤسسة الوطنية للنفط وإدارة قضايا الدولة، مبينا أن من بين هذه القضايا، الحكم لصالح الجانب الليبي بفض الشراكة وشراء الجانب الليبي حصة الشريك بعد تقييم تلك الحصة من قبل خبير يتم اختياره من أحد البنوك العالمية، الأمر الذي لا يحتاج لأكثر من تعيين خبير من أجل تنفيذ نصوص الاتفاقيات وأحكام التحكيم الدولي، واسترجاع المصفاة لصيانتها وتشغيلها، ويتم تعيين الخبير بالتوافق بين المساهمين أو بفرض تعيينه على الطرفين من قبل الغرفة التجارية بباريس.
الإمارات والنفط
ومن الملفت للنظر الارتباط الوثيق للإمارات بملف النفط الليبي والصراع الدائر حوله؛ فتكليف فرحات بن قدارة من قبل الدبيبة برئاسة مجلس الإدارة لمؤسسة النفط كان نتاجا لصفقة سياسية برعاية إماراتية، كما أن قضية مصفاة رأس لانوف -محل حديث التقرير- متعلقة بخلاف ليبي إماراتي انتهى في مجمله لصالح الدولة الليبية، ما يفتح باب التساؤلات حول حقيقة تصريحات بن قدارة، الرجل القادم من الإمارات، وهل عمله منفصل تماما عن علاقته بها؟
مناقشة حول هذا post