تطوي ليبيا عام 2024 بكل ما حمله من مراوحة للصراع بين الفرقاء، بل وتفاقم انعكاساته على الصعيدين الأمني والاقتصادي، وتترقب بحذر ما سيحمله العام الجديد من مقاربات إقليمية ودولية تتأرجح تقديرات انعكاساتها على المشهد الليبي برمته.
فيما يُرجح أن تعيش ليبيا شتاء دافئا، إذ ستشكل القوى الدولية الكبرى، لا سيما روسيا والولايات المتحدة مقارباتها بشأن ليبيا، كما أن مجلس الأمن أمام اختبار تعيين موفد أممي جديد.
البعثة الأممية ..مسار طويل
وجاءت استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا السينغالي عبد الله باتيلي في أبريل الماضي، بعد فشله في مهمة استمرت نحو عام فقط، لتظهر الانقسام الدولي وعدم قدرة مجلس الأمن على تعيين خليفة له، لتتولى المهمة مؤقتا نائبته الديبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري.
وفي آخر إحاطة لها أمام مجلس الأمن هذه السنة وسط الأزمات التي تعصف بالبلاد، أفادت المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري في 16 ديسمبر الجاري بإنشاء لجنة لحل القضايا العالقة وإنشاء حكومة واحدة للشعب الليبي لتمهيد الطريق نحو الانتخابات، مباركة إجراء الانتخابات البلدية بنجاح والتي كانت عملية سليمة من الناحية الفنية بتنظيم من مفوضية الانتخابات.
وقالت خوري في إحاطتها الرابعة أمام مجلس الأمن، إن الشعب الليبي يتوق لممارسة حقوقه والمجموعة الثانية ستبدأ الشهر المقبل، لافتة إلى مرور 3 أعوام على إجراء الانتخابات.
وأوضحت خوري أن الإجراءات الأحادية أدت إلى تآكل المؤسسات الليبية وأزمة البنك المركزي تكشف عن الجمود ولا بد من الإسراع، وأن الانقسام المستمر في قيادة المجلس الأعلى للدولة يضر بقدرة عمل المجلس وهذا يؤدي إلى التفكك.
وتابعت المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري أن جهود المصالحة تضررت بسبب الانقسام والتنافس بين الجهات المسلحة والحصول على الموارد وهو ما يهدد الاستقرار، وأنه منذ يومين اندلع قتال وهناك قتال آخر في الصحراء وهذا يوضح الخطر من الكيانات المنقسمة.
وقالت ستيفاني خوري، إن أي حكومة جديدة ستصدر عن المفاوضات القادمة لابد أن تلتزم بالضمانات كي تصل البلاد إلى الانتخابات كشرط لتحقيق الشرعية، وأن اللجنة الاستشارية محددة الزمن للتعامل مع القضايا الشائكة ستشكل من الشخصيات الليبية والخبراء.
وأشارت ستيفاني خوري إلى أن الإطار الحالي هو نتاج الجهود الليبية ولن يؤدي إلى انتخابات سلمية ناجحة دون بعض التعديلات، معبرة عن نواياها الجمع بين الشركاء الليبيين لتنفيذ حوار منظم ووضع رؤية موحدة لمستقبل البلاد لأن أسباب النزاع القديمة بقيت بلا حل.
ولفتت ستيفاني خوري إلى أنه ينبغي ضمان مشاركة كل الأطراف للنهوض بمشروعة العملية السياسية وهي ستبني إرثا لبناء المؤسسات والإصلاح الاقتصادي والأمني والمصالحة، وأن اللجنة الاستشارية ليست لاتخاذ القرارات إنما لتقديم الخيارات بالمرحلة المقبلة.
الدول الكبرى ..ترحيب بالمقاربة الأممية للحل
دوليا، رحبت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بمقترح المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري للدفع بالعملية السياسية في ليبيا وتشكيل حكومة موحدة.
ودعم البيان المشترك الجهود الشاملة للتوصل إلى اتفاق سياسي قادر على عكس مسار التفتت المؤسسي وحكومة موحدة على نطاق أوسع وإنشاء مسار موثوق نحو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة، مشجعا جميع الأطراف الليبية المعنية على المشاركة في العملية التي تقودها الأمم المتحدة بحسن نية وبروح التسوية.
بدوره، أعلن الاتحاد الأوروبي دعمه لمبادرة المبعوث الأممي بالإنابة ستيفاني خوري لإحياء العملية السياسية في ليبيا، مشجعا بقوة كافة الأطراف الليبية والدولية المعنية على الانخراط بطريقة هادفة ومسؤولة في المبادرة.
وجدد الاتحاد الأوروبي دعمه التوصل إلى حل سياسي، يقوم على حوار ليبي شامل يهدف إلى تجديد شرعية المؤسسات الليبية من خلال الانتخابات
مجلسا النواب والدولة ..مسارات أخرى للحل
بالموازاة مع إحاطة خوري، وفي اجتماع لأعضاء مجلسي النواب والدولة من بوزنيقة المغربية في 19 ديسمبر الجاري، أكد البيان الختامي للقاء أعضاء من مجلسي النواب والأعلى للدولة في المملكة المغربية، أن الحل في ليبيا وإنهاء المراحل الانتقالية يمر عبر العودة إلى الليبيين بانتخابات حرة ونزيهة استنادا إلى قوانين 6+6.
وشدد البيان على ضرورة أن تضمن الخارطة صياغة موائمة تحقق التكامل بين خطتها والتوافق الدولي، وتضمن الملكية الليبية للعملية السياسية عبر مؤسساتها الرسمية، ووفق إطار قانوني سليم يؤسس على الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي وقرارات مجلس الأمن.
ورحب أعضاء المجلسين بالتعاون مع البعثة الأممية، مؤكدين الحرص على دعمها والعمل المشترك وفق اختصاص وصلاحيات كل من المجلسين والبعثة، من أجل حل الأزمة وتضمين خارطة بمواعيد محددة، مشيرين إلى التوافق على الانطلاق في العمل المشترك بين المجلسين على معالجة مختلف الملفات عبر مسارات محددة أهمها مسار الانتخابات وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية والإصلاح المؤسسي والمالي والمسار الأمني.
تشكيل حكومة جديدة ..مساع حثيثة
وفي خضم المساعي الحثيثة لتشكيل حكومة جديدة، قال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إن عملية تشكيل حكومة موحدة جديدة تسير بخطى ثابتة، بالتنسيق الكامل مع المجلس الأعلى للدولة، مرجحا التوصل إلى تحقيق هذا الهدف أوائل العام الجديد.
وأفاد عقيلة بأن اختيار رئيس الحكومة سيتم عبر عملية شفافة في جلسة معلنة لمجلس النواب، مع الترحيب بحضور بعض الأطراف المعنية لضمان نزاهة الإجراءات، مؤكدا أنه تم قبول ملفين إضافيين مستوفيين لشروط الترشح لرئاسة الحكومة، في إطار الجهود المبذولة لتحقيق حكومة موحدة تلبي تطلعات الشعب الليبي، وهو ما يرفع عدد ملفات المرشحين إلى تسعة ملفات.
وأشار صالح إلى زيارة مرتقبة ستؤديها مجموعة من أعضاء مجلس الدولة إلى مدينة القبة الأسبوع القادم لمناقشة الخطوات النهائية المتعلقة بتشكيل الحكومة والملفات الوطنية الأخرى.
ويشترط مجلس النواب تشكيل حكومة جديدة تبسط نفوذها على ربوع البلاد، قبل الانخراط في مبادرة أممية جديدة لحلحلة الأزمة السياسية أو إجراء الانتخابات.
مجلس الدولة ..انقسام حاد
محليا، انعكست أزمة الانقسام على مجلس الدولة، الذي شهد تصدعا في بنيته الإدارية والسياسية منذ السادس من أغسطس الماضي، عندما شهدت عملية انتخاب رئيسه سجالا بعد جولة الإعادة بين تكالة والمشري، إذ أعلن مقرر الجلسة حصول تكالة على 68 صوتا مقابل 69 صوتا للمشري، ثم ثار نقاش حول قانونية تصويت أحد الأعضاء بعد كتابته اسم تكالة في غير المكان المخصص
ويشكل الاحتراب داخل أروقة مجلس الدولة فصلا آخر اندلع هذه السنة بسبب تجديد شرعية المجلس عندما رفض محمد تكالة الاعتراف بفوز خالد المشري برئاسة المجلس في فصل آخر دخل نفق معقدا من النزاعات القانونية والدعاوى القضائية ما جعل المؤسسة مفككة وعطل عجلة التفاهمات مع مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة وتسوية المناصب السيادية.
الدبيبة ..تشبت بالسلطة
غرب ليبيا كذلك، رفض رئيس الحكومة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة التنازل عن السلطة إلا لحكومة منتخبة من قبل الشعب الليبي، ووفق قوانين انتخابية منبثقة عن دستور للبلاد يتم تنظيم استفتاء شعبي بشأنه، وهو ما يشير إلى أن التجاذبات والمناكفات ستتواصل حدتها خلال العام القادم، ما لم يتم التوافق على إيجاد آلية أكثر فاعلية لتجاوز حالة الانقسام بين مختلف الفرقاء، فيما يرى المراقبون أن حالة الاستقطاب الإقليمي والدولي تنعكس سلبا على الأزمة الليبية لاسيما في ظل تفاقم حالة التنافس على النفوذ في المنطقة بين الدول الغربية وروسيا، والتي تعتبر ليبيا نسخة مصغرة منها.
الانتخابات البلدية ..عبق ديمقراطي
وما حفظ وجه السياسة في ليبيا هذه السنة والمسار الديمقراطي المتعثر، إدلاء الليبيون خلال 16 نوفمبر الماضي، بأصواتهم لانتخاب ممثليهم في عشرات المجالس البلدية، في أول اقتراع محلي يتم إجراؤه في عموم البلاد بالتزامن للمرة الأولى منذ 10 سنوات.
وقالت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عقب انتهاء الاقتراع إن النسبة الأولية للمشاركة بلغت 74% من الناخبين المؤهلين.
واعتبر مراقبون أن نجاح تلك العملية الانتخابية، توقفت على عدة عوامل رئيسية، تتلخص في” الشعب الليبي الناضج – المؤسسات الليبية – القوانين الانتخابية – الدعم الدولي”.
وعلى الرغم من كل الصعوبات التي واجهت العملية الانتخابية في مئات مراكز الاقتراع، أثبتت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، أنها قادرة على النجاح في تنفيذ ما يطلب منها، حيث أشار رئيس مفوضية الانتخابات إلى أهمية الانتخابات في تعزيز المشاركة الشعبية وبناء الثقة في النظام الانتخابي، مشددا على أن المفوضية تواصل جهودها لضمان الشفافية والنزاهة في جميع مراحل العملية الانتخابية.
وقال إن المفوضية تسعى لتطبيق القانون، وأن تكون الآليات والإجراءات المتخذة تخدم مصلحة العملية الانتخابية، كما تسعى إلى تحقيق أعلى معايير ومبادئ العملية الانتخابية، ما يبعث في المؤسسة الثقة التي تمثل العنصر الأساسي لاستدامتها وعملها بمهنية.
ويأمل الليبيون أن تعيد الانتخابات البلدية في مرحلتها الأولى الزخم للاستحقاق الأهم، المتمثل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد ونجاح الانتخابات البلدية في مرحلتها الثانية 25 في يناير 2025.
ويرى مراقبون أن الأوضاع في ليبيا قائمة على الجدلية والمناكفات والندية حيث تخضع البلاد لتنافس محموم على ديمومة السلطة واستدامة الوضع القائم بدعم من أجندات خارجية وأطراف متداخلة في الملف الليبي ما يجعل ليبيا تستقبل 2025 وهي تراهن على ملفات حارقة..حكومة جديدة، إجراء الانتخابات، طي ملف المصالحة الوطنية.
مناقشة حول هذا post