لسنوات عدة، طغت المقاربات الأمريكية ذات البعدين الأمني والعسكري على الملف الليبي، لكن الاهتمام الاقتصادي أخذ يبرز أخيراً بوصفه نسقا جديدا لرؤية الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب في ولايته الحكومية الثانية.
الأربعاء الماضي، ترأست واشنطن اجتماعاً دولياً رفيع المستوى على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ضم عشر دول إقليمية معنية بليبيا، لكن الاجتماع عاجل السياسة وأمعن في ملفات الاقتصاد والطاقة، ما يطرح سؤالا.. هل تقود واشنطن تحولاً في مقاربتها بشأن ليبيا من الضغط السياسي إلى الصفقة الاقتصادية؟
حتى وقت قريب كانت واشنطن تنظر إلى ليبيا من زاوية أمنية بحتة، وهو ما ظهر في زيارات مسؤولين بارزين، على رأسهم مدير “وكالة المخابرات المركزية الأميركية” السابق، وليام بيرنز، في يناير 2023، ونائب قوات “أفريكوم” (القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، جو برينان، في فبراير الماضي، حيث كان التركيز منصباً على مكافحة الإرهاب وموازنة النفوذ الخارجي وضبط إيقاع الصراع العسكري، لتبدو ليبيا ساحة تهديد أكثر منها ساحة فرص واستثمارات.
تحول البوصلة الأمريكية ” الترامبية” قادها مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في يوليو الماضي، حيث دشنت انتقالاً لافتاً، إذ حمل معه صفقات واستثمارات مباشرة، ظهرت في إشرافه على توقيع عقود بمليارات الدولارات مع المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس.
بدوره، أكد الدبيبة خلال لقائه مسعد بولس حرصه على بناء شراكات اقتصادية مع الولايات المتحدة تفتح المجال أمام كبرى الشركات الأمريكية ومناقشة مستجدات قطاع النفط والفرص المتاحة للقطع الجديدة البرية والبحرية.
وبحسب المكتب الإعلامي فإنه جرى تقديم عرض تفصيلي لأوجه الشراكة الإستراتيجية الاقتصادية الليبية والمقدرة بنحو 70 مليار دولار شاملة مشاريع جاهزة في عدة قطاعات.
في بنغازي، بحث بولس فرص الاستثمار في الإعمار والبنية التحتية، وكانت تلك أول مرة يطل فيها البعد الاقتصادي بهذا الثقل ضمن التحرك الأميركي، وكأن واشنطن قررت الانتقال من منطق إدارة المخاطر إلى منطق اغتنام الفرص.
رؤية واضحة المعالم، أكدها مسعد بولس معبرا تطلعه للعمل مع شركائهم الدوليين للمساعدة على توحيد المؤسسات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، لافتا إلى أن ليبيا تملك إمكانات هائلة لشعبها ولجيرانها وللولايات المتحدة.
في سياق ذي صلة، قالت صحيفة نيويورك تايمز، إن مستشار الأمن القومي الليبي إبراهيم الدبيبة طرح على مسعد بولس مبعوث الرئيس الأمريكي في الدوحة اقتراحًا استثنائيًا إذا رفعت الولايات المتحدة تجميد بعض الأموال الليبية المقدرة بـ 70 مليار دولار تلتزم فيه حكومة الدبيبة بتقديم هذه الأموال لشركات أمريكية على هيئة عقود، وهو مؤشر واضح على حضور الاقتصاد فوق طاولة السياسة.
وفق مراقبين، يبدو أن هذا التحول الأميركي يقع ضمن رؤية أميركية تنطلق من زاوية نقل الملف الليبي من ملف تهديد أمني إلى بوابة استثمارية عبر الطاقة والإعمار.
مناقشة حول هذا post