فكك موقع “وور اون ذ روكس” الأمريكي في مقال تحليلي له طبيعة التحالفات الليبية الهشة وسط مقاربات دولية مؤثرة في المشهد الليبي، من بينها العلاقة بين إبراهيم الدبيبة وصدام حفتر وتقارب أبوظبي والدبيبة في ظل مساع تركية جيو سياسية للوصول إلى برقة.
إبراهيم الدبيبة وصدام حفتر..أي تحالفات؟
قال موقع “وور اون ذ روكس” في مقاله ” الانسداد الهش في ليبيا” للباحث جلال حرشاوي وهو زميل مشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، إنه بعد أشهر فقط من انتهاء “الحرب الأهلية” في طرابلس، قامت عملية سياسية مدعومة من الأمم المتحدة بتعيين الدبيبة رئيسا للوزراء لفترة وجيزة في طرابلس بانتظار الانتخابات العامة في ديسمبر من ذلك العام نفسه، لافتا إلى أن أن معسكر حفتر ساعد الدبيبة في الفوز برئاسة الوزراء المؤقتة، ثم أضعفه برفض منحه مزيدا من الاعتراف أو حتى الإذن بزيارة بنغازي، لتنهار بعدها خطط الأمم المتحدة الانتخابية في نهاية المطاف – مما سمح للدبيبة بالتمسك بالمنصب في الغرب، حينها شرع الطرفان في بناء قواتهما العسكرية مع الانخراط في بعض التعاون الاقتصادي من خلال حوار برعاية إماراتية بين إبراهيم، ابن شقيق رئيس الوزراء الدبيبة، وصدام حفتر الأكثر حزما من بين أبناء القائد المخضرم الستة.
تركيا ..طموحات جيوسياسية في برقة
وأضاف الموقع في مقال مطول بعنوان “المأزق الهش في ليبيا”، لكاتبه جلال حرشاوي هو زميل مشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، يركز عمله على الاقتصاد الأمني والسياسي في شمال إفريقيا، أنه رغم دعم تركيا العنيد للدبيبة، فإن أنقرة لديها العديد من التطلعات الاقتصادية والجيوسياسية في ليبيا والتي تتطلب نفوذا في إقليم برقة، ولتحقيق ذلك، تفضل تركيا استمالة القادة الموجودين بالفعل هناك بدلا من اللجوء إلى العنف المسلح، ففي يونيو 2020، حاولت القوات المدعومة من تركيا السيطرة على مدينة سرت الساحلية، التي تفصل طرابلس عن سلسلة من خمس محطات نفطية ثمينة في برقة، لكن حفتر صد الهجوم بمساعدة القوات الروسية.
وأضاف الموقع أنه منذ عام 2020، فازت تركيا ببعض عقود محطات الكهرباء وغيرها من عقود البناء، التي تقتصر أساسا على منطقة طرابلس الكبرى، لكنها عازمة على المضي قدما وكسب عقود بالمليارات في جميع المقاطعات الليبية الثلاث.
ففي المياه الليبية، تسعى شركة النفط التركية المملوكة للدولة للحصول على إذن للتنقيب عن احتياطيات الغاز تحت البحر قبالة مدينة درنة، دون أي نجاح حتى الآن، فأنقرة لا تستطيع استغلال الأجزاء الجنوبية من المنطقة الاقتصادية البحرية الحصرية التي سعت لفرضها على حساب اليونان، ما لم تحصل على إمكانية الوصول إلى أقصى شرق الساحل الليبي.
على الأرض، تحرص شركات الطاقة التركية الأخرى على المشاركة في منشآت النفط الكبرى، بما في ذلك جنوب برقة ومن القطاعات الأخرى المرغوبة لدى تركيا عملية إعادة إعمار بنغازي، والتي بدأت بالفعل بجدية ولتحقيق هذه الأهداف، تحتاج أنقرة إلى تحسين علاقاتها مع عائلة حفتر وحلفائها.
تقارب إماراتي مع الدبيبة
وفي تصريحات له، أشاد منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك بـ “تعزيز العلاقات بين تركيا والإمارات”، فكل من أنقرة وأبو ظبي تتورطان أكثر فأكثر مع موسكو وكلاهما يعززان المقايضة الضيقة بين شاغلي المناصب الليبيين – وبذلك يساعد على تعميق ترسخ المسؤولين الليبيين في السلطة، فيما أبدت الإمارات، التي كانت في السابق أقوى داعم للجيش الوطني الليبي، اهتمامًا شديدًا باستيعاب الدبيبة، وترى في أسلوبه في التعاملات في الحوكمة فرصة لبناء نفوذ في طرابلس دون التخلي عن حفتر.
في يوليو، أدت الوساطة الإماراتية بين صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة إلى تنصيب رئيس جديد للمؤسسة الوطنية للنفط “فرحات بن قدارة”، حيث تخضع قراراته المالية بالفعل للتدقيق من قبل العديد من الجهات الرقابية الليبية، وبمضاعفة علاقة الدبيبة – حفتر، يأمل الإماراتيون تحقيق المزيد من الصفقات الاقتصادية والترتيبات الأمنية.
ومن خلال تشجيع المحادثات السرية بين أصحاب النفوذ الليبيين، لا تقدم الإمارات وتركيا أي مصالحة سياسية أو تسوية لتحقيق الاستقرار، بل تستنزفان ما تبقى من مؤسسات الدولة الرسمية في ليبيا وتقوضان جهود الأمم المتحدة لتسهيل إجراء انتخابات حقيقية.
واشنطن ..لاعب محوري
فبرقة ليست المقاطعة الوحيدة التي يضعف فيها نفوذ حكومة طرابلس، فمعظم جنوب غرب البلاد، المسمى فزان، بعيد المنال عن نفوذها أيضا، لهذا السبب، تعاونت واشنطن – التي عملت عن كثب مع الدبيبة على إنشاء سفارة أمريكية جديدة في طرابلس ونقل مشتبه به في هجوم لوكربي إلى الولايات المتحدة – مع منافسيه لمكافحة الجماعات المتطرفة في الصحراء الليبية.
في السياق، يقول سالم الزيدما، نائب رئيس وزراء باشاغا المسؤول عن فزان، “لقد ساهم عملنا المشترك مع الأمريكيين في إضعاف تنظيم الدولة في ليبيا”، مضيفا “نحن بلا شك شركاء في مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة”.
ووفق الموقع، ينتمي الزيدما إلى قبيلة أولاد سليمان، وهي قبيلة عربية مهمة في فزان، يقود شقيقه الأصغر حسن اللواء 128، ومع انتشار كل من القاعدة وتنظيم الدولة في البلدان المجاورة مثل مالي وبوركينا فاسو، ستظل واشنطن بحاجة إلى تعاون أمني القوات التابعة لحسن الزيدما – وبالتالي يتضاءل النفوذ الأميركي عليها نتيجة لحاجتها المتزايدة، وينطبق الشيء نفسه على وحدة القوات الخاصة التي يقودها بشكل غير رسمي صدام حفتر والتي تسمى اللواء “طارق بن زياد”، والتي نسقت معها الولايات المتحدة بشأن مكافحة الإرهاب، وبحسب الموقع فإن سياسات صدام مختلفة إلى حد ما عن سياسات حفتر، حيث تساعد الطموحات الجريئة للعقيد البالغ من العمر 36 عاما في تفسير محاولات الدبيبة وأنقرة المستمرة لاستمالته
انقسام مؤسساتي ونقدي
ووفق موقع “وور اون ذ روكس” إذا كانت خريطة السيطرة الجغرافية في ليبيا ثابتة إلى حد كبير، فإن المجالات المؤسسية والاقتصادية ليست كذلك، حيث أصبح طرفا الانقسام على نحو متزايد قادرين على تمويل أنفسهما من خلال الاستفادة من نظام المالية العامة في البلاد من خلال قنوات مختلفة، وهذا يثني الحكام الحاليين عن اتخاذ خطوات نحو إعادة التوحيد أو قبول خطر التغيير الذي قد يأتي مع أي منافسة انتخابية حقيقية، حيث تتمثل إحدى الميزات الواضحة التي لا تزال تتمتع بها حكومة طرابلس على حفتر وحلفائه في قربها السياسي من البنك المركزي الليبي، الذي يتحكم في الوصول إلى الخزائن العامة والعملات الأجنبية الرسمية.
باختصار، يعتمد كل فرد تقريبًا من الطبقة الحاكمة الحالية في ليبيا على الدعم الأجنبي ويقاوم أي تغيير جوهري، كل مسؤول ليبي مشغول بتعديل المأزق الحالي لمصلحته الخاصة بينما يأمل ألا يكون التحول تغييريًا لدرجة أن امتيازاتهم الحالية قد تتضاءل.
وفي الوقت نفسه، في غرب البلاد، قد يستمر العداء الذي لم يتم حله بين ميليشيات طرابلس بطرق لا تستطيع الطائرات المقاتلة التركية بدون طيار قمعها، ودون ضغط من الخارج، فلن تتسامح تركيا أو مصر أو الإمارات مع أي خروج جوهري عن الوضع الراهن.
مناقشة حول هذا post