لم يكن تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط من قبل حكومة الدبيبة مجرد صفقة سياسية ستمر مرور الكرام، بل كانت فصلا جديدا يشهده قطاع النفط الليبي.
فاستبدال مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط بفرحات بن قدارة الرجل المقرب من الإمارات وحفتر من قبل حكومة الدبيبة بشكل أحادي ضمن صفقة سياسية، يعد تسييسا واضحا للمؤسسة التي تشرف على الدخل الوحيد الليبيين.
فعلى الصعيد المحلي، أكدت لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب أنها لن تعترف بأية قرارات صادرة عن حكومة الدبيبة؛ كونها فاقدة للشرعية ولم يعد لها أي ولاية قانونية.
اللجنة حذرت، في بيان، من أن اتخاذ مثل هذه القرارات سيكون له الأثر السلبي على استمرار تدفق إنتاج النفط، وتوقف عجلة الإنتاج، والإضرار بالمصالح العامة.
فيما اعتبر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن تعيين أو تغيير رئيس مجلس إدارة المؤسسة ليس اختصاصا لمجلس النواب، كما أن الأمر عُرض على القضاء، ولكنه أكد أن حكومة الدبيبة لم يعد لها وجود قانوني بعد سحب الثقة منها.
المجلس الأعلى للدولة كان له رأي قريب من النواب، فقد طلب رئيس المجلس خالد المشري من الدبيبة سحب قراره بشأن إعادة تشكيل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، وبذل المجهود الأكبر من التوافق بين وزارة النفط والمؤسسة حتى يزداد الإنتاج ويستقر.
وحذر المشري من هذه الخطوة، قائلا، في مراسلة للدبيبة: ” قد يؤدي إلى تفكيك المؤسسة وانقسامها، في هذا التوقيت المفصلي الذي تمر به البلاد، الأمر الذي سيعود بكارثة حقيقية على الاقتصاد الوطني ويزيد من معاناة البلد”.
لم تكن هذه الخطوة مرفوضة محليا فحسب، فعلى الصعيد الدولي أبدت الولايات المتحدة الأمريكية ازعاجا واضحا من هذه الخطوة من قبل الدبيبة، وذلك على لسان مبعوثها لليبيا وسفيرها بطرابلس ريتشارد نورلاند الذي قال إن بلاده تتابع عن كثب إجراءات المحكمة المتعلقة بمؤسسة النفط، وتشجع على الجهات الليبية على السماح للسلطات القضائية بأداء واجباتها دون تدخل.
نورلاند، وعبر تغريدة على تويتر، ذكر أن استقلال المؤسسة الوطنية للنفط وحيادها السياسي في السنوات الأخيرة يمثل إرثا يجب المحافظة عليه؛ للحفاظ على سمعة ليبيا في قطاع النفط الدولي.
وحذر المبعوث الأمريكي من محاولات لتعيين ممثلين غير مؤهلين في مجالس الإدارة للشركات التابعة للمؤسسة، مبينا أن الولايات المتحدة تولي اهتماما خاصا لوضع هذه الشركات.
تحذير أمريكي واضح من التدخل في سير القضاء فيما يتعلق بشرعية تعيين فرحات بن قدارة خلفا لمصطفى صنع الله، لاسيما وأن القرار صادر عن حكومة منتهية الولاية، فضلا عن أنه كان قرارا أحاديا منها لتمرير اتفاق يسمح لها بالبقاء في السلطة، دون مراعاة لحساسية الملف النفطي في ظل الأزمة الأوكرانية الروسية.
ستيفاني وليامز مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا وصفت، خلال لقائها رئيس مجلس الدولة خالد المشري، بأن ما يحدث هو أزمة في إدارة مؤسسة النفط.
كما شددت على ضرورة حماية استقلالية المؤسسات السيادية وحيادها بما فيها المؤسسة الوطنية للنفط، وذلك لإبعادها عن التجاذبات، مبينة أنه يُفضل أن تكون مثل هذه الإجراءات صادرة عن هيئة تنفيذية منتخبة وموحدة، وذات سيادة وشعبية.
وتبدو هذه الكلمات متناقضة تماما مع ما حدث، فقد سُحبت الثقة من حكومة الدبيبة في سبتمبر من العام 2021، فضلا عن تكليف مجلس النواب للحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا والتي لم تتسلّم مهامها حتى الآن نتيجة رفض الدبيبة التسليم بشكل سلمي على الرغم من انتهاء ولايته، في إِشارة إلى وجود خلل في إجراءات تغيير صنع الله.
تصريحات أمريكية وأممية سيكون لها ما بعدها، لاسيما وأن قضية تغيير صنع الله ما زالت تتداول في القضاء، في ظل تشديد دولي على احترام أي أحكام صادرة عنه، والتي ربما تعيد صنع الله إلى رئاسة مجلس إدارة الوطنية للنفط، ما يعني انهيار صفقة الدبيبة، وربما يعقبها انهيار تام لسلطة موجودة بحكم الأمر الواقع، وبقوة المال.