تباينت آراء الشارع الليبي حيال الآثار التي ستعقب إعلان المحكمة الليبية العليا فتح الدائرة الدستورية المغلقة منذ العام 2016 للفصل في عديد القضايا والطعون، على الرغم من اتفاق الجميع على أنه من المهم أن تباشر عملها ولو بعد حين، وفي ظروف مناسبة؛ حفاظا على استقلالية القضاء الليبي.
ومع وضوح رغبة المطالبين بتفعيلها، يظل -لزاما- إزالة أي لبس في توضيح الرافضين لفتحها في هذا التوقيت تحديدا، وبهذه الآلية، حيث ارتكز هذا الفريق على سردية تبيّن الخلفيات التي سبقت هذا القرار، وكيف ستؤثر في مصداقية ما يترتب عليه لاحقا.
القصة من البداية
ولكن هل كان المستشار محمد الحافي وهو يعلن فتح الدائرة الدستورية يسعى إلى نصرة القضاء، وإنهاء الخلاف بشأن العديد من القضايا المصيرية التي قد تغير مسار البلاد بالكامل؟ أم أن للحافي مآرب أخرى؟
القصة تعود إلى مايو من العام 2021 حين تقدم الحافي بمراسلة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، موضحا أن أكثر من 30 مستشارا قد تقاعد من المحكمة خلال العامين الماضيين، الأمر الذي اضطرها إلى تقليص عدد الدوائر؛ مما أثر سلبا على أداء العمل القضائي بالمحكمة.
الحافي يقترح تعيين المستشارين!
وذكر الحافي، في مراسلته، أنه، ونظرا إلى أن السلطة التشريعية هي السلطة التي تتولى تعيين مستشاري المحكمة العليا وفقا للتشريعات النافذة باقتراح من المحكمة، فإنه يتقدم بقائمة بالمستشارين المقترح تعيينهم تضم عددا من أعضاء نيابة النقض المزكين من رؤساء دوائر المحكمة، وعددا آخر من مستشاري محاكم الاستئناف ممن تم التفاهم بشأنهم مع إدارة التفتيش على الهيئات القضائية.
وأرفق المستشار الحافي 39 مستشارا في مقترحه، داعيا رئيس مجلس النواب إلى إصدار القرار اللازم بتعيين عدد من المستشارين ممن تتوافر فيهم الشروط القانونية لتولي هذه المحكمة.
الحافي يصل التقاعد والبرلمان يرفض التمديد
عقب ذلك بأكثر من عام، تحديدا شهر يونيو من العام الجاري، أرسل الحافي كتابا لرئيس مجلس النواب بأن الجمعية العمومية للمحكمة العليا قد أصدرت قرارا يقضي بتمديد خدمته كرئيس للمحكمة العليا لمدة 5 سنوات.
مجلس النواب يرد
فيما يتعلق بتمديد العمل للحافي على رأس المحكمة العليا، فقد وجه عقيلة صالح تعليماته باعتماد التمديد للعمل، وليس لرئاسة المحكمة، إلى حين تكليف رئيس جديد، وهو ما يمكن وصفه بـ “بداية النهاية” للحافي الذي يمارس مهامه الآن بصفة مؤقتة ستزول عنه بمجرد إيجاد البديل المناسب.
وبشأن المستشارين الجدد، فقد أخذت مداولات مجلس النواب وقتا طويلا تجاوز العام، غير أنه قرر مؤخرا التجاوب وقبول المقترح، ليعلن الناطق باسم مجلس النواب عبد الله بليحق أن المجلس قرر في جلسته الماضية والتي ترأسها النائب الأول فوزي النويري تعيين قرابة 39 مستشارا بالمحكمة العليا تلبية لمقترح الحافي.
الحافي يتنصل
رد الحافي على قرار مجلس النواب بشأن تعيين المستشارين بأن المحكمة لم تقم بإحالة أي خطاب رسمي لطلب تعيين مستشارين، مؤكدا أن المحكمة لن تعتد بأي قرار أو إجراء مخالف للقانون، داعيا مجلس النواب إلى معالجة ما ورد بقراره من أخطاء للقبول به؛ في رد غريب للغاية يتناقض مع المراسلات التي تلقاها مجلس النواب بشكل رسمي من الحافي.
الدفاع عبر الهجوم!
لم يكتف الحافي برفض قرار صادر عن السلطة التشريعية، بل بادر بالهجوم هذه المرة ليعلن، الخميس الماضي، في اجتماع طارئ، إعادة تفعيل الدائرة الدستورية؛ للنظر في الطعون والفصل فيها.
هل القرار قانوني؟
عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي قال لـ أبعاد، إن تفعيل الدائرة الدستورية صدر عن المحكمة العليا بأعضائها السابقين، وهو أمر غير مقبول، لافتا إلى أنها ردة فعل من قبل المستشار محمد الحافي رئيس المحكمة تجاه مجلس النواب، وخطوة “لن تنجح”.
وشدد النائب عبد المنعم العرفي أن المستشار الحافي يخوض معركة قانونية وسياسية خاسرة وهي قفزة في الهواء ليس أكثر من ذلك، حسب تعبيره.
الخبيرة القانونية وعضو ملتقى الحوار السياسي آمال بوقعيقيص ترى أن جلسة الجمعية العمومية للمحكمة العليا هي جلسة “معدومة والقرار الصادر عنها معدوم” لأن رئيس الجلسة وصاحب الدعوة لانعقادها قد فقد الولاية للرئاسة.
وأضافت بوقعيقيص، عبر تدوينة على فيسبوك، أن فقه القانون يبيح تجاهل القرار المعدوم واعتباره كأن لم يكن، والمضي قدما دون الحاجة للطعن فيه أمام أية محكمة.
وأشارت إلى أنه ليس على مجلس النواب سوى أن يدعو المستشارين الجدد لحلف اليمين القانونية أمامه وفقا للتعديل الصادر عنه، ثم يتم اختيار الرئيس الجديد للمحكمة العليا طبقا للإجراءات المنصوص عليها في قانونها الخاص وقانون مجلس القضاء الأعلى، وبعد ذلك المحكمة وشأنها في تقدير مدى ملائمة فتح الدائرة الدستورية من عدمه.
ما الثمرة من فتح الدائرة الدستورية اليوم؟
الدبلوماسي الليبي محمد العكروت يرى أن تفعيل الدائرة الدستورية “صبّ للزيت على النار” لافتا إلى أن تاريخ الدائرة لم يكن حسنا، وظروف البلاد لم تستقر بعد، وهو السبب الذي لأجله أغلقت الدائرة فيما سبق.
وأبدى العكروت استغرابه قائلا: ” البلاد لا دستور فيها ولا قوانين، وحتى إن وجدت فلا أحد يعبأ بها ولا ينفذ ولا يلتزم بأحكام القضاء، والدائرة ليست استثناء من ذلك، فعلى أي أسس قانونية ودستورية ستعتمد في أحكامها؟!”.
وتابع: “الدائرة ستكون بين المطرقة والسندان فلا يمكنها أن تكون عصاة الميزان ولن تستطيع”.
وأفاد العكروت أن البلاد في مخاض سياسي عبثي، والدائرة ستكون في حرج كبير لن تستطيع تحمّل تبعاته، مبينا أنه كان من الأفضل النأي بالقضاء عن هذه الوضعية السياسية العبثية، وترك الأمور تمضي في صراعها السياسي، محذرا من أن فساد القضاء لن يبقى معه خيار للبلاد سوى الانهيار التام، على حد تعبيره.
ومع تفعيل الدائرة في ظل هذه الظروف، والصراع الذي يخوضه الحافي مع السلطة التشريعية، ترتفع التحذيرات من القضاء على وحدة المؤسسة القضائية، وتعميق الانقسام السياسي، والعودة بالبلاد إلى سيناريوهات أسوأ من الصراع.
مناقشة حول هذا post