وسط الأزمات المتصاعدة التي تعيشها ليبيا، لا تتوفّر أيّ بيانات دقيقة بشأن أعداد المصابين بالأمراض النادرة، من بينها مرض “فابري” الذي يُوصّف بأنه اضطراب وراثي نادر يتسبّب في تراكم مواد دهنية في الأنسجة، والذي أُعلن عنه أخيراً في البلاد، في غياب حكومي شرق البلاد وغربها.
في سياق ذي صلة، أفادت اللجنة الدائمة للكشف الجيني المبكر وعلاج الأمراض النادرة في ليبيا المنبثقة عن المركز الوطني لمكافحة الأمراض تسجيل ثلاث حالات مؤكدة في البلاد، في حين أشار “مستشفى طرابلس المركزي” إلى أنّه سجّل بدوره ثماني إصابات بالمرض، غير أنّ لا علاجات متوفّرة له في ليبيا.
وأثار مرض “فابري” انتباه الرأي العام في ليبيا أخيراً، بعد أن تحدّث مواطن في العاصمة طرابلس عن تدهور حالة أخيه الذي يعاني من المراحل الأخيرة من الفشل الكلوي، بعدما عجزوا عن توفير الدواء اللازم له عقب تأكيد الأطباء إصابته بهذا المرض النادر الذي يتسبّب في فشل كلوي إلى جانب حالات أخرى.
طبيا، قالت الطبيبة المتخصّصة في أمراض الكلى هاجر الشكري “العربي الجديد”، إن “ليبيا لا تمتلك أيّ قاعدة بيانات خاصة بمرض فابري أو غيره من الأمراض النادرة، وأنّ الوضع ما زال غامضاً في غياب الإحصاءات الوطنية الدقيقة”.
وأضافت الشكري أن “الحالات التي أُعلن عنها هي فقط تلك التي اكتُشفت في أقسام أمراض الكلى بالمستشفيات العامة، نتيجة جهود ذاتية من أطباء لاحظوا مؤشرات غير طبيعية لدى مرضى، فأخضعوهم إلى فحوص إضافية أثبتت إصابتهم”.
وتقدّر الشكري أنّ “العدد المعلن عنه لا يعكس الواقع كلياً، ولا سيّما أنّ مرض فابري يُكتشَف في الغالب صدفةً في أثناء متابعة مرضى الكلى الذين يعانون فشلاً كلوياً غير مفسّر”. لكنّها توضح أنّ “هذا المرض لا يطاول الكلى فحسب، غير أنّ الكلى تظهر أكثر الأعراض وضوحاً”، مبيّنةً أنّه “يصيب كذلك أجهزة أخرى مثل القلب والجهاز العصبي والجلد، ما يعني أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى من تلبك المُعلَن عنها رسمياً”.
وتشرح الشكري أنّ “مرض فابري اضطراب وراثي نادر ينجم عن طفرة في الجين المسؤول عن إنتاج إنزيم محدّد وظيفته الأساسية تكسير الدهون المتراكمة، الأمر الذي يؤدّي بالتالي إلى تراكم مواد دهنية في داخل خلايا الجسم. وبمرور الوقت، يسبّب ذلك أضراراً تدريجية في الكلى والقلب والدماغ”.
تضيف أنّ “الأعراض قد تبدأ منذ الطفولة، على شكل آلام حارقة في الأطراف وطفح جلدي ومشكلات هضمية، لتصل أخيراً إلى فشل كلوي أو سكتة دماغية أو تضخّم في عضلة القلب”.
وترجّح أن “يكون المرض موجوداً لدى عدد من العائلات، خصوصاً تلك التي يظهر تسلسل في تاريخها المرضي متّصل بأمراض قلبية أو كلوية مزمنة من دون تفسير طبي واضح”.
وأشارت الطبيبة المتخصّصة في أمراض الكلى أنّ “ليبيا لا تملك حتى الآن مختبرات ولا إمكانات محلية تتيح لها إجراء التحاليل الجينية اللازمة لتشخيص المرض، وبالتالي تُرسَل كلّ العيّنات المطلوب فحصها إلى الخارج، خصوصاً إلى مختبرات في أوروبا أو تركيا أو تونس، وذلك إطار في عملية طويلة ومكلفة يصعب على معظم المرضى تحمّلها”.
وتابعت أنّ “الاكتشاف المسجّل هو نتاج جهود في داخل مؤسسات الدولة بمبادرات فردية من قبل أطباء في أقسام الكلى، يسعون بطرقهم الخاصة إلى التواصل مع مراكز خارجية لتسهيل إرسال العينات ثمّ استلام نتائجها في خلال أسبوعَين تقريباً”.
وترى الشكري أنّ “الحل يكمن في إطلاق برنامج وطني للكشف المبكر عن مرض فابري”، مؤكدةً أنّ “من الممكن تشخيصه في مراحله الأولى”.
وتشير إلى أنّ “أيّ حملة لم تُطلَق بعد في هذا المجال، ولا حتى حملات توعية تدعو المواطنين إلى إجراء فحوص لذلك، على الرغم من إعلان السلطات عن تشكيل لجنة مختصّة بالأمراض النادرة”.
مناقشة حول هذا post