على الرغم من إنفاق الميزانيات، والعقود، والمشاريع المختلفة، لا تزال ليبيا تعاني من انقطاع الكهرباء بمختلف مدنها، وأحيائها، ما فاقم أزمتها، وعمّق معاناة سكانها، ليتساءل الجميع أين ذهبت العقود الموقعة، والمشاريع الجارية؟!
هيئة الرقابة الإدارية، في تقريرها لسنة 2021، وضعت يدها على شيء من مكامن الخلل، متناولة أداء الشركة العامة للكهرباء وتصرفاتها بشكل تفصيلي يوضح العديد من التجاوزات التي تتطلب وقفة جادة من المسؤولين.
المشاريع والعقود
التقرير رصد إبرام عقود من قبل الشركة، دون فتح اعتماد لها، مع عدم وضوح أسباب ذلك، إلى جانب ارتفاع قيمة الالتزامات التي لم يتم معالجتها وسدادها.
وأفاد التقرير بوجود مشروعات تحت إجراء التعاقد لعدة شركات خاصة بالتوريد والتركيب والصيانة لم يتم اعتماد هذه العقود التي من شأنها أن تساعد على استقرار الشبكة، على الرغم من أنه تم الاتفاق على القيمة المالية لها.
كما أن الشركة أبرمت 14 عقدا مع إحدى الشركات لتقديم خدمات السفرجة والنظافة، مع عدم التزام اللجنة المشرفة بإحالة التقرير الخاص بهذه العقود، إلى جانب تقليص الخدمات المقدمة الخاصة ببنود العقد؛ نتيجة لجائحة كورونا، ولم يتم تعديل السعر بالعقد، واستمرار دفع القيمة المتفق عليها.
ليس هذا فحسب، بل رصد التقرير أيضا عدم التزام الموردين في أغلب الاعتمادات المستندية بمدة العقد، والتمديد لفترات متلاحقة، وعدم فرض غرامات تأخير، إضافة إلى وجود اعتمادات مستندية مقفلة ومنتهية فعليا لم يتم إدراجها بمنظومة النظام المالي.
وعلى الرغم من تعاقد الشركة العامة للكهرباء مع إحدى الشركات لأعمال الصيانة؛ فإن جل الآليات والسيارات التابعة لإدارة التشغيل والصيانة عاطلة أو تحتاج إلى خدمة، ولم تُتخذ أي إجراءات حيالها، مما سبب في إرباك العمل.
تكليفات أشخاص مجهولي الكفاءة!
التقرير كشف عن قيام الشركة بتكليف بعض العاملين كمديرين بالإدارات والأقسام والوحدات دون الرجوع إلى المؤهلات العلمية والكفاءة والخبرة، كما أنها كلفت بشكل مباشر بعض الشركات دون الرجوع إلى اللجان المكلفة بإعداد التقارير الفنية والمالية بالخصوص.
وابل من السلبيات!
تقرير هيئة الرقابة الإدارية تطرق إلى ملاحظات عديدة يصعب حصرها تحت قسم واحد، من بينها انتشار ظاهرة التوصيلات العشوائية دون اتخاذ أي إجراءات من قبل الشركة أو المكاتب التابعة لها.
وذكر أن 29 محطة توزيع متوقفة كان من المطلوب استكمالها داخل إدارة توزيع إحدى البلديات، تتراوح نسبة الإنجاز فيها من 30% و40% وصولا إلى 85%، إلى جانب النقص الشديد في مادة الديزل والإمدادات، الأمر الذي أثر سلبا على بعض الخدمات.
وأكد التقرير عدم وجود حماية للمقار التابعة للشركة، ما أدى إلى عدم تمكين الفنيين المناوبين من الاستمرار في المناوبة خلال ساعات الليل، مع استمرار عملية سرقة كوابل الكهرباء ببعض المناطق.
كما أن الشركة مقصرة تماما في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية أصولها، فقد كشف التقرير عن سرقة 90 سيارة خلال أعوام 2015 وحتى 2021، وتعطل 74 سيارة عن العمل دون اتخاذ الإجراءات اللازمة لصيانتها.
الشركة لم توفر أيضا الاحتياجات اللازمة لفروعها، كما أنها قصرت في تزويدها بالآليات والمركبات التي تمكنها من أداء المهام المكلفة بها لمتابعة الجهات العامة، واتخاذ التدابير اللازمة لأداء المستحقات الواجبة على استهلاكات الطاقة الكهربائية.
التقرير ذكر أنه لا وجود لأي آلية للتفتيش ومراقبة الأداء بفروع الشركة للوقوف على أسباب ضعف الأداء وتدني مستويات الجباية وحلحلة العوائق المسببة لذلك، بالمخالفة لأحكام اللائحة الإدارية للشركة نفسها.
ملاحظات تطابقت مع الملاحظات المالية التي رصدها تقرير ديوان المحاسبة بشكل تفصيلي، مؤكدا أن الشركة توسعت في إبرام عقود وإصدار أوامر تكليف دون وجود التغطية المالية اللازمة، مما ترتب عليه زيادة عبء في الالتزامات دون القدرة على الوفاء بها.
وتكشف تقارير هيئة الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة عن خلل جسيم في منظومة إدارة الشركة العامة للكهرباء، تحتاج إلى وقفة طويلة، وإعادة البناء من جديد لهيكلية الشركة الإدارية والمالية؛ لإنهاء المعاناة الدائمة المتمثلة في غياب النور في دولة تنتج النفط والغاز بكميات كبيرة!
مناقشة حول هذا post