أصدر مركز الجزيرة للدراسات كتاب بعنوان “صعود وسقوط تنظيم الدولة في سرت” ـ عملية البنيان المرصوص ـ بقلم الكاتبين نزار كعوان، وعبد الرزاق العرادي.
ويسلط الكتاب الذي يتألف من 223 صفحة الضوء على العملية العسكرية التي عُرفت باسم “عملية البنيان المرصوص” والتي نجحت في تحرير مدينة سرت من قبضة تنظيم الدولة في 19 من ديسمبر 2016.
تناول الكتاب طبيعة الحرب التي خاضتها قوات البنيان المرصوص ضد تنظيم الدولة، واستعرض تفاصيل المعركة من الناحية العسكرية، ومدى التنسيق بين مختلف الأسلحة والتشكيلات التابعة للغرف العسكرية.
اعتمد المؤلفان في إنجاز الكتاب على بحث ميداني قام به فريق بحثي في يناير 2017، ومن خلال عمل مكتبي واتصال مباشر بالقادة الميدانيين وبعض الخبراء في المجال العسكري اضطلع به المؤلفان.
وحصل المؤلفان على معلومات مهمة من مكتب النائب العام، تمثلت في مذكــَّرة بالوقائـع والـرأي القانوني في القضية رقم 44 لسنة 2021، من مركز شرطة مدينة سرت، عن التحقيقات التي أجريت مع أعضاء تنظيم الدولة الذين قُبض عليهم بعد انتهاء المعارك.
ركز الكاتبان على التوحس في فكر وممارسة تنظيم الدولة في ليبيا، حيث يعتقد الكاتبان أنها تعود إلى مرجعين أساسيين هما؛ كتاب إدارة التوحش، وكتاب مسائل من الفقه الجهادي، ويعرف أيضا بفقه الدماء، فالأول تقعيد فقهي لإجازة قتل المشركين وقتل المسلمين عرضا ممن لا يجوز قتلهم وقتل النفس (العمليات الانتحارية ) التي يحرم قتلها.
هذه الأفكار يقول المؤلفان، إنها ردود على الاعتراضات التي أثيرت بوجه ممارسات الزرقاوي بقتل المدنيين وتفجير الأسواق، فضلا عن استهداف المدنيين شيعة وسنة، وتصعيد العمليات الانتحارية، وتؤشر إلى أن العنف الأعمى وغير المحدود الذي كانت له جذور فكرية منحرفة وسياق سياسي واجتماعي مرتبط بتجربة ومأساة العراق بعد الاحتلال، والعنف الطائفي الذي تفجر بعد سقوط نظام صدام.
أما المرجع الثاني لتظيم الدولة في إدارة التوحش فهو معني بإقامة الدولة، وإدارة السياسة، واستيراتيجية الصراع البديل التي هي استراتيجية بمرحلتين مرحلة الإنهاك، أو ما يسمى شوكة النكاية، ثم مرحلة الفتح أو ما يسميه شوكة التمكن.
وبحسب الكاتبين فإن هذين المرجعين يمثلان إنجيل تنظيم الدولة والإطار النظري لتطبيقات التوحش والعنف للتنظيم في سرت، أما على مستوى الممارسة والتطبيق لنظرية التوحش للتنظيم، فيقول الكاتبان إن مذكرة تحقيقات النائب العام مع قيادات وعناصر داعش التي كشفت عن أسرار مخيفة ومرعبة عن خفايا التنظيم وممارساته المتوحشة في ليبيا.
يرى الكاتبان أن استثمار حكومة الوفاق للانتصارعلى تنظيم الدولة كان ضعيفا ولا يرقى إلى مستوى التضحيات ولا الحدث، وما ترتب عليه من نتائج إيجابية مهمة بالنسبة لليبيا بشكل عام، ولحكومة الوفاق بشكل خاص.
يخلص الكتاب إلى أن انتصار عملية البنيان المرصوص أدت إلى 7 نتائج كبرى، أولها أنها رسخت شرعية حكومة الوفاق وغيرت ميزان القوى لصالحها، وأكدت َ أهمية الاتفاق السياسي الذي حصل في الصخيرات، ذلك أن الحرب على تنظيم الدولة كانت هي الأساس الذي دفع إلى اتفاق الصخيرات، وأن هزيمته ومطاردة عناصره الفارة لم تكن من الأمور السهلة.
الحقيقة الثانية هي أن الانتصار منح ليبيا مناعة ضد نشوء مراكز قوية للإرهاب، بعد طرد تنظيم الدولة من معقله في مدينة سرت، وطرد خلاياه ومقاتليه من مناطق أخرى، مثل درنة وبنغازي، وطرابلس، وصبراتة، وتضييق الخناق على عناصره، لهذا لم يعد تنظيم الدولة قوة مسيطرة على الأرض.
النتيجة الثالثة لعلمية البنيان المرصوص، أنها فضحت المشروع العسكري، الذي يقوده خليفة حفتر، وأوضحت أن محاربة الإرهاب شيء آخر مختلف تماما، وليس هناك تلازم بين محاربة الإرهاب وبين المشروع العسكري للحكم.
النتيجة الرابعة لعملية البنيان المرصوص، أنها أعادت بناء العلاقة بين القوة السياسية والقوة العسكرية، بما يجعل الأخيرة في موقع التبعية للأولى والائتمار بأوامرها، وقد تحقق ذلك في هذه العملية من خلال اجتماع عدة فصائل عسكرية من مناطق مختلفة تحت سلطة سياسية واحدة.
النتيجة الخامسة للعملية، أنها أسقطت سرديات القوى الإقليمية القائمة على الأمن والاستبداد مقابل الحرية والديمقراطية، ورفعت الغطاء عن التوظيف السياسي لمكافحة الإرهاب، وضيعت فرصة استيراتيجية على القوى الإقليمية الداعمة لحفرت لفرض واقع سياسي جديد مستغلة تمدد الإرهاب لفتح ثغرات للاختراق العسكري والأمني مما يمهد الطريق للحكم العسكري والشمولي ووصوله إلى سدة الحكم.
النتيجة السادسة للعملية فكانت على مستوى الأمن الوطني إذ أسهمت عملية البنيان المرصوص في التصدي لأكبر تهديد أمني، ورسخت قواعد اشتباك تحميها من خلال توازن الردع، ورفعت مكانة ليبيا الإقليمية لتكون شريكا استراتيجيا مع الـدول الكبرى لمكافحة الإرهــاب، وحماية السلم والأمـن الإقليميين والدوليين، وأسهمت في كسر احتكار مكافحة الإرهاب وادعاءات حفرت المتكررة محاربته للإرهاب نيابة عن العالم.
أما النتيجة السابعة فكانت على مستوى الوعي الثوري، فقد أعادت عملية البنيان التوازن للوعي السياسي، ووجهت البوصلة نحو القضايا الوطنية الكبرى، بدلا من المفرقات الفرعية الصغرى، وأعادت ترتيب أولويات الأمن الوطني، وجسدت الروح التي أنهكتها الصراعات والانقسامات والثورة المضادة من خلال عملية عسكرية تآزرت فيها المدن، والتشكيلات النظامية، والثورية، بغطاء السلطة الشرعية والحاضنة الشعبية.
وصدر الكتاب تزامنا مع الذكرى الخامسة لانتصار عملية البنيان المرصوص التي أنهت حلم قـادة تنظيم الدولة باتخاذ جزء من الأرض الليبية قاعدة لمشروعهم، وكانت رسالة بالمعنى نفسه إلى من رفعوا شعار محاربة الإرهاب، أن ما قُوبل به مشروع تنظيم الدولة المتوحش، هو ما سيُقابل به أي طامع في تكرار تجربة تنظيم الدولة، حتى ولو كان تحت شعار مناقض لشعار تنظيم الدولة.
مناقشة حول هذا post