ال أستاذ القانون الدستوري بجامعة طرابلس د. صالح محمد المخزوم، إنه في خضم الصراع الليبي المتشعّب، تبرز دعواتٌ للتوافق الوطني كخيارٍ استراتيجي لا بديل عنه، خاصةً في ظل إدراكنا أن كل طرفٍ من الأطراف الليبية يحظى بدعم خارجي يجعل من الحرب الداخلية حربًا بالوكالة تُدار من قبل دولٍ تهدف إلى استنزاف ليبيا وثرواتها.
وأضاف المخزوم في مقالة بعنوان ” رفض الحرب والدعوة إلى التوافق في ليبيا.. رؤية استراتيجية”، إنّ ما يقوم به بعض الأطراف من قصفٍ بالمراسيم والرسائل، ليس مجرد تحريضٍ عابر لأبناء منطقة برقة أو غيرها، بل هو إشعالٌ متعمدٌ لنار الفتنة، وتحريكٌ لحربٍ ستُغرِق الجميع في دوامة الدمار.
الحرب بالوكالة: لعبة الدول على حساب الليبيين
وأفاد المخزوم بأنه عندما نرفض الحرب وندعو إلى المصالحة والتوافق، فنحن لا ننحاز إلى مجلس النواب أو إلى خليفة حفتر، بل ننظر إلى من يقف خلف هذه الأطراف، وإلى من سيتدخل عسكريًّا عند إعلان الحرب، مستندا في ذلك كيف تحولت ليبيا إلى ساحة صراعٍ إقليمي ودولي، سنة 2019، حين اضطرت المنطقة الغربية إلى التحالف مع قوى أجنبية للدفاع عن نفسها، بينما تحولت المنطقة الشرقية إلى ساحةٍ لمصالح دول أخرى ساندتها، مردفا أن هذه الحرب لن تُهزم فيها إلا ليبيا وشعبها، بينما تزداد الدول الداعمة للأطراف نفوذًا وثراءً.
درس التاريخ: لو توافق القذافي مع شعبه
وتابع المخزوم أنه لو أن معمر القذافي سنة 2011 أدرك مبكرا أهمية الحوار مع شعبه، وتوافق مع مطالب الإصلاح، لما وجد الأعداء فرصة للتدخل تحت ذريعة “حماية المدنيين”، حيث كانت الفتنة والغضب الشعبي بيئةً خصبةً للتدخل الخارجي، الذي استغل حاجة الشعب الليبي للحماية، فتحوّل الأمر إلى حربٍ طاحنة.
وزاد أنه اليوم، نرى نفس السيناريو يتكرر: خطاب الكراهية والتجييش الإعلامي هو الوقود الذي ينتظره المتدخلون لتحقيق مكاسبهم على حساب وحدة الليبيين.
وتساءل المخزوم .. لماذا المصالحة ليست خيارًا، بل ضرورة؟
1 لأن العدو الحقيقي هو التدخل الأجنبي : كلما اشتد الصراع الداخلي، زادت سيطرة القوى الخارجية على مقدرات ليبيا، أمّا المصالحة فهي تُضعف هذه السيطرة وتعيد السيادة للشعب.
2 لا منتصر في الحرب الأهلية : حتى الطرف الذي يعتقد أنه سينتصر عسكريًّا سيجد نفسه أمام حربٍ لا نهاية لها، أو سيكون أداةً في يد حلفائه الأجانب.
3 الوحدة الوطنية هي الضامن الوحيد للبقاء : ليبيا لن تنجو إلا إذا توافق الليبيون على عقد اجتماعي جديد، “دستور دائم للبلاد”، بغض النظر عن اختلافاتهم، فمن ترى أنّه مجرم اليوم يمكن أن يصبح شريكًا في بناء الوطن إذا أدرك أن الدمار سيُغرِق الجميع.
دور النخب والسياسيين: المسؤولية التاريخية.
وشدد أستاذ القانون الدستوري بجامعة طرابلس أنه على النخب الليبية الواعية أن ترفض الانجرار وراء استفزاز الخصم، والخطاب الإعلامي المُهيّج، وأن تُفكر بإطار واسع يضع مصلحة ليبيا فوق كل الاعتبارات، داعيا إلى أن يكون التوافق الوطني مشروعًا جامعًا، لا انتقائيًّا، لأن انتقاء الأطراف “المقبولة” للحوار يعني استمرار الإقصاء واستمرار الحرب.
الخلاصة:
ختاما، دعا أستاذ القانون الدستوري بجامعة طرابلس إلى وقف الاستفزاز بالتصرفات الأحاديّة وخطاب الكراهية، وإلى حوارٍ شاملٍ يضم كل الأطراف، بما في ذلك من نختلف معهم، لأن البديل هو دمارٌ لا يُبقي ولا يذر، كون ليبيا تستحق أن يعيش أبناؤها بسلام، لا أن يكونوا وقودًا لحروب الآخرين، المصالحة ليست ضعفًا، بل هي قوةُ الحكماء الذين يرون المستقبل بعينٍ واضحة.
مناقشة حول هذا post