تشهد مناطق شرق ليبيا، لا سيما مدينة بنغازي والمناطق الخاضعة لسيطرة قوات حفتر، سلسلة من الأحداث المعقدة التي تتداخل فيها الانتهاكات الحقوقية مع التحركات العسكرية غير القانونية ومحاولات التلميع السياسي عبر الرياضة، وتكشف هذه الوقائع عن واقع قاتم تتشابك فيه خيوط السياسة والأمن والعدالة في بلد لا يزال يعاني من آثار الحرب والانقسام.
جرائم تعذيب وقتل داخل مراكز الاحتجاز
من أبرز الجرائم التي هزّت الرأي العام مؤخراً، مقتل المواطن محمود عون الزنتاني، في حادثةٍ تعكس نمطاً متكرراً ومقلقاً من التعذيب الممنهج داخل مراكز الاحتجاز في بنغازي.
فقد وثّقت منظمة رصد الجرائم في ليبيا وفاة عون متأثراً بإصابات خطيرة نتيجة التعذيب الذي تعرض له أثناء احتجازه من قبل جهاز حماية الآداب العامة – فرع بنغازي التابع لوزارة الداخلية في الحكومة ببنغازي، وأكدت المنظمة أن مقطعاً مصوّراً تم التحقق منه أظهر آثاراً واضحة للتعذيب أدت إلى فشل كلوي ودوري تسبب في وفاته المأساوية.
كما شددت المنظمة الحقوقية على أن هذه الجريمة تضاف إلى سجل طويل من القتل خارج نطاق القانون والمعاملة القاسية في مراكز الاحتجاز بالشرق الليبي، ما يستدعي تحقيقاً عاجلاً ومستقلاً لمحاسبة المتورطين وفق المعايير الدولية للعدالة.
شهادات إضافية تؤكد التعذيب والإفلات من العقاب
من جهتها، أكدت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن الضحية محمود عون توفي إثر تعذيب مبرح على أيدي عناصر من مديرية أمن بنغازي، موضحة أن جسده أظهر كسوراً وجروحاً بليغة وكدمات متعددة في الوجه والساقين.
ووفق البيان، فقد أقدم الجناة على رمي جثته أمام مستشفى في حي الزيتون بعد وفاته، في مشهد يجسد حالة الإفلات من العقاب المستشرية في المنطقة.
ودعت المؤسسة والناشطون الحقوقيون إلى تحقيق شفاف ومستقل ومحاسبة الجناة لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم.
الكفرة ..انتهاكات بحق التبو
وفي سياق متصل، كشفت منظمة العفو الدولية عن تصاعد جرائم القتل والانتهاكات ضد مجموعة التبو في منطقة الكفرة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، الواقعة تحت سيطرة قوات حفتر.
وأوضحت المنظمة أن شرطـة الكفرة تورطت في قتل رجلين من التبو، بينما توفي ثالث بعد هجوم شنّته جماعة مسلحة في المنطقة، كما طالبت المنظمة بالكشف عن مصير عدد من المفقودين الذين تعرضوا للإخفاء القسري، داعية إلى تحقيق عاجل وشامل في هذه الحوادث.
رغم الحظر الدولي.. صفقات تسليح مشبوهة
بالتوازي مع الانتهاكات الحقوقية، تتكشف أدلة على خروقات دولية لحظر السلاح المفروض على ليبيا.
فقد كشفت مجلة جون أفريك الفرنسية عن تسلّم قوات حفتر مروحيات فرنسية من طراز “غازيل”، تم تقديمها على أنها مدنية رغم تجهيزها العسكري الكامل.
ونقلت المجلة عن مصدر إيطالي أن صفقة سرية أبرمت لشراء أربع مروحيات عبر شبكات موازية في جنوب إفريقيا لصالح قوات حفتر، بواسطة وسطاء مرتبطين بروسيا، وأكدت أن هذه العملية غير قانونية وتشكل انتهاكاً واضحاً للحظر الدولي.
بدورها، أشارت مجلة ديفينس ويب الجنوب إفريقية إلى أن المروحيات تم تعديلها لتصبح شبه عسكرية وزُوّدت بأسلحة متوسطة، ونُقلت من جنوب إفريقيا مروراً بالأردن وصولاً إلى بنغازي، في خرق واضح لقوانين مراقبة الأسلحة.
وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، فقد تم رصد أكثر من 59 رحلة شحن إلى مناطق سيطرة حفتر حتى نهاية أكتوبر الجاري، باستخدام طائرات عملاقة من طراز بوينغ وإليوشن، انطلقت من العين الإماراتية وبونتلاند الصومالية، ما يؤكد استمرار تدفق الدعم العسكري رغم الحظر الأممي.
غسيل الأموال عبر كرة القدم
وفي ظل هذا الواقع المظلم، تسعى السلطات في الشرق الليبي إلى تلميع صورتها عبر بوابة الرياضة، فقد أثارت مباراة ودية أقيمت في بنغازي بين أتلتيكو مدريد الإسباني وإنتر ميلان الإيطالي موجة انتقادات واسعة بعد الكشف عن تمويلها من جهات مقربة من صدام حفتر، نجل القائد العسكري.
ووفق تقرير هيومن رايتس ووتش، فقد حصل كل نادٍ على نحو 3 ملايين يورو مقابل المشاركة في المباراة التي وُصفت بأنها أداة دعائية لتبييض الانتهاكات، أكثر منها حدثاً رياضياً.
وأكدت المنظمة أن اللقاء، الذي جرى تحت شعار “كأس إعادة الإعمار”، استُخدم لتقديم صورة زائفة عن “الاستقرار والانفتاح” في المنطقة، بينما الواقع يعكس استمرار الاعتقالات والتعذيب والانقسامات الداخلية.
وأضافت المنظمة أن تجاهل الناديين لمراسلاتها بشأن خلفية التمويل يثير شبهة التواطؤ في عملية غسيل الأموال، فيما اعتبر ناشطون ليبيون إقامة المباراة استفزازاً للشعب الليبي في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وانقطاع الخدمات الأساسية.
تلميع الصورة لا يُخفي المأساة
تجمع هذه الوقائع بين الدم والمال والدعاية في مشهد يختزل معاناة شرق ليبيا، حيث تُستغل الرياضة لتغطية الانتهاكات، وتُمرر الصفقات العسكرية في الظل، بينما يبقى المواطن ضحية القمع والإفلات من العقاب.
فما بين جدران المعتقلات وصفقات السلاح وأضواء الملاعب، تتجلى مأساة وطن يبحث عن العدالة والاستقرار، وسط لعبة نفوذ لا تعرف الرحمة.
 
			



 
                
مناقشة حول هذا post