الأزمة السياسية في ليبيا التي نشأت عن رفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة تسلم مقاليد السلطة التنفيذية في طرابلس إلى رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا الذي عينه مجلس النواب منذ أكثر من شهرين أصبح حديث معظم الصحف العالمية التي سلطت الضوء على الملف باعتباره شرارة لأي نزاع مسلح قادم في حال استمرار الوضع الحالي.
مجلة “ذي أفريكا ريبورت” الفرنسية تناولت شخصية رئيس الحكومة الليبية باشاغا وحياته السياسية خلال السنوات التي أعقبت الثورة عام 2011 وحتى تنصيبه رئيسا للحكومة الجديدة في البلاد.
فن التسوية السياسية كما مارسه باشاغا
تقول المجلة إنه ومنذ انتخابه عضوا في مجلس النواب الليبي وصولا إلى منصبه الوزاري في حكومة الوفاق الوطني صقل فتحي باشاغا حياته المهنية من خلال التسويات السياسية.
وبحسب المجلة يحاول باشاغا السيطرة على البلاد منذ انتخابه من قبل البرلمان حيث عقد أول اجتماع حكومي له في مدينة سبها في 21 إبريل وهو يحاول العودة إلى طرابلس حيث يريد أن يكون ذلك دون استخدام القوة.
وتضيف المجلة أن جل محاولات باشاغا التي بدأها بزيارة فزان، مرورا بالظهور وسط المشجعين في ملعب بنينا لكرة القدم، وزيارة مواقع البناء، والمستشفيات، كلها تأتي ضمن محاولات باشاغا لفعل ما بوسعه ليكون مرئيًا ويمنع منافسه عبد الحميد الدبيبة من فرض سلطته على كامل المساحة الليبية والانفراد بالحكم، حيث لا يزال الدبيبة يشغل منصبه في طرابلس ويرفض التنازل عن منصبه، ولن تكون هزيمته بالمهمة السهلة لأنه لا يزال يسيطر على الجهات المالية بالبلاد، عبر المصرف المركزي، الذي لا يزال مخلصًا له وفق الصحيفة.
وتقول المجلة إنه على الرغم من إجراء محادثات سرية بين المعسكرين المتنافسين، فتحي باشاغا وعبد الحميد الدبيبة، إلا أنه لم يتم العثور على أرضية مشتركة، لكن التسوية هي فن تميز به فتحي باشاغا عدة مرات منذ سقوط نظام القذافي في عام 2011 حسب تعبيرها.
مكانة باشاغا في الخارج
تناولت المجلة نبذة عن حياة باشاغا المهنية قائلة إن باشاغا من مدينة مصراتة وتدرب في مدرسة الطيران بالمدينة وتخرج طيارا مقاتلا ولكنه ترك القوات الجوية عام 1993 ليدخل الأعمال التجارية من خلال تأسيس شركته الخاصة لبيع الإطارات، وخلال ثورة 2011، أصبح هو حلقة الوصل بين قوات مصراتة وحلف شمال الأطلسي، وهو المنصب الذي جعله محاورًا معترفًا به في الخارج.
ويضيف المقال أنه وبعد أن أصبح له وزنًا ثقيلًا في مدينته دخل باشاغا السياسة في عام 2014، وانتُخب نائباً عن مصراتة، لكنه سرعان ما دخل في صراع مع البرلمان، ولم يعترف به وتحالف مع المؤتمر الوطني العام، الذي كان بقيادة الإسلاميين وبدعم من تحالف فجر ليبيا، وفي نفس العام واجه باشاغا حفتر لأول مرة، وقد أطلق جيش الشرق عملية الكرامة لتطهير البلاد من الإرهابيين ضد الميليشيات الإسلامية المدعومة بقوات من مصراتة، لا سيما في بنغازي ودرنة قبل أن ينأ بنفسه عن المتطرفين عام 2015 وينضم إلى معسكر “الإسلاميين المعتدلين” من خلال دعم اتفاق الصخيرات لتشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج.
جهوده في إصلاح الأجهزة الأمنية
ويشير المقال إلى جهود باشاغا في وزارة الداخلية الذي عين على رأسها عام 2018 خلال فترة حكومة الوفاق الوطني وكان الهدف من تعيينه هو السيطرة بشكل أفضل على ميليشيات مصراتة والسماح لها في المقابل بالتعبير عن رأيها في حكومة السراج.
وتضيف المجلة أن حكومة الوفاق الوطني تم إضعافها من قبل العديد من الكتائب ولا سيما اللواء السابع (المعروف أيضًا باسم الكانيات) في مدينة ترهونة وميليشيا مصراتة “لواء الصمود”، الذين كانوا يهاجمون الضواحي الجنوبية لطرابلس وكان هذا الأخير بقيادة زعيم مصراتي من الوزن الثقيل مرتبط بالإسلاميين “الراديكاليين” وهو صلاح بادي.
وأوضحت المجلة أنه بمجرد توليه منصبه، شرع باشاغا في إعادة الميليشيات إلى صفوفها ثم بادر بإصلاح الأجهزة الأمنية واستجابت هذه المهمة لمطلب قوي من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وعلى الرغم من حصول باشاغا على نقاط في الخارج، إلا أن تصنيفه انخفض بين الميليشيات، لكن هذا المواطن من مصراتة كان يحلم بالفعل بالرئاسة ليحاول لعب دور المصالحة ففي وقت كان فيه حفتر يزمجر من الشرق تواصل معه باشاغا عدة مرات، بطريقة سرية، ولكن دون جدوى، ليضع الهجوم الذي بدأ على العاصمة في أبريل 2019 حدًا قاطعًا للمفاوضات.
وتبين المجلة أن مليشيات مصراتة وفرت الجزء الأكبر من المقاتلين لحماية طرابلس قبل أن يتحول باشاغا إلى أنقرة ليقيم علاقات جيدة مع شبكات الإخوان المسلمين، وينجح في الحصول على اتفاق عسكري ثنائي في نوفمبر2019، تمهيدا لوصول القوات التركية وطائراتها المسيرة التي أدت إلى هزيمة حفتر في معركة طرابلس صيف 2020.
وتوضه المجلة أن السراج وسعيا منه لتقييد مكانة باشاغا الجديدة، اتخذ قرارا بتعليق مهام وزير داخليته، الذي كان يسافر في ذلك الوقت إلى الخارج، وقد ضغطت واشنطن وأنقرة على السراج، وأعيد باشاغا إلى منصبه في 4 سبتمبر 2020.
الصفقة السياسية
تتحدث المجلة عن المسار السياسي الذي انتهجه باشاغا مؤخرا بعد أن حقق نفوذاً سياسياً في ليبيا وخارجها، حيث لم يغيب عن الرئاسة عندما ترشح خلال ملتقى الحوار السياسي الليبي المدعوم من الأمم المتحدة في مارس 2021 الذي فضل فيه الدخول في تسوية سياسية أخرى من خلال تشكيل قائمة مع رئيس البرلمان عقيلة صالح لكن التحالف تعرض لهزيمة مفاجئة أمام الثنائي “الدبيبة ومحمد المنفي”، والذي كان من المفترض منه أن ينظم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر، لكن المنافسات عادت على قدم وساق وتم تأجيل المواعيد النهائية.
وتختتم المجلة مقالتها بالقول إن بتحالف باشاغا الجديد مع المعسكر الشرقي، أحاط نفسه بمصراتيين من ذوي الوزن الثقيل، مثل أحمد معتيق، نتج عنه في فبراير انتخابه رئيسا للوزراء من قبل البرلمان برئاسة حليفه عقيلة صالح.