مبادرات من الصعب حصرها، تلك التي شهدتها الساحة السياسية الليبية، من بينها مؤخرا دعوات العديد من البرلمانيين والساسة إلى إحياء دستور المملكة الليبية أو ما يُعرف بـ دستور 51 كحل للأزمة الليبية التي دامت لأكثر من عقد كامل من الزمان دون العثور على حل يوقف الاستنزاف المتواصل للبلاد.
تعرف عليه
يعود دستور الـ 51 إلى سنة 1951 حين دخل هذا الدستور حيز التنفيذ في السابع من أكتوبر، قبيل استقلال ليبيا رسميا في ديسمبر من العام نفسه، ويقوم على أن ليبيا ملكية دستورية، والملك إدريس الأول ملكا لها، ليكون هذا اليوم يوما تاريخيا في ليبيا، إذ يُعد الوثيقة التشريعية الليبية الأولى التي توضح معالم الدولة.
ويؤسس هذا الدستور الذي جاء بعد نقاشات مكثفة مع الأمم المتحدة، لبناء دولة ليبية واحدة تجمع شتات أقاليم طرابلس وفزان وبرقة، إلى جانب ترسيخ عدد من المفاهيم كقيم الإنسانية، والقيم الحقوقية الموجودة في البلدان الديمقراطية.
كيف توقف؟
استمر العمل بدستور المملكة الليبية حتى جاء الانقلاب العسكري في الأول من سبتمبر عام 1969 بقيادة معمر القذافي، والذي أطاح بنظام المملكة، وبمجلس النواب الليبي، ومن ثم إيقاف العمل بدستور الـ 51 إلى هذه اللحظة، ليكون الدستور الأول والأخير المعمول به داخل الأراضي الليبية.
مطالبات بإحيائه
بدأت هذه الخطوة، برسالة وجهها 30 نائبا من إقليم برقة شرقي البلاد، إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، طالبوه فيها بأن يتم خلال الجلسة المقبلة المنقولة على الهواء النظر في العودة إلى النظام الاتحادي وفقا للأقاليم التاريخية الثلاثة ، بناء على دستور عام 1951.
ودعا النواب نظراءهم من إقليمي طرابلس وفزان إلى دعم هذا المطلب الذي يرونه “الضامن الوحيد لوحدة وأمن وسلامة ليبيا، في وقت أصبحت فيه كل هذه الأمور مهددة” لافتين إلى تعثر الاستفتاء على مشروع الدستور المنجز عام 2017.
“عودة الدستور إنقاذ وطن”
المؤتمر الوطني لتفعيل دستور الاستقلال وعودة الملكية الدستورية لليبيا علق على ما يحدث من شد وجذب بشأن الدستور، قائلا في بيان: “الدعوة إلى تفعيل الدستور هو مشروع استحقاق وطني ودستوري، ومشروع إنقاذ وطن”.
وأضاف: “يُعتبر هذا الدستور الذي كتبه وحافظ عليه الآباء والأجداد المؤسسون في عام 1951م والذي تم تعديله في عام 1963م هو الركيزة لوضع حد لحالة الفوضى والعبث وإنهاء الفراغ الدستوري”.
وشدد البيان على أن دستور الاستقلال لا تزال شرعيته نافذة وسابقة لأي شرعية انتقالية، وإنما عطله انقلاب 1969 بفعل القوة القاهرة، ويجب استرداده كما كانت عليه البلاد حتى يوم 31 أغسطس من عام 69.
لا حل للخلاف إلا النظام الفيدرالي
يرى عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة أن الدعوة إلى دستور 51 هي لإنقاذ ما تبقى من البلاد، مؤكدا أن هذا الخلاف والتباين في الرؤى السياسية بين الشرق والغرب لن يحل إلا عبر تطبيق النظام الفيدرالي.
وقال أوحيدة، في حديث لـ أبعاد، إن دستور 51 يضمن وحدة البلاد، ويشهد الجميع أن هذا الدستور بنظامه الفيدرالي نجح في تأسيس الدولة الليبية، وأن تعديله الـ 63 ساهم في نجاح الانقلاب عام 1969.
واختتم حديثه قائلا: “نواب إقليم برقة والفاعليات الشعبية في المنطقة ستستمر في مطالبتها بتفعيل دستور 51 وتطبيق النظام الفيدرالي”.
أبوراص: هذه الدعوة ستزيد من أزمة الشرعية
خلافا للنائب أوحيدة، تحذر عضو مجلس النواب ربيعة أبوراص من أن الدعوة إلى طرح دستور 51 سيزيد من أزمة الشرعية، ويهدد ما تبقى من توافقات سياسية حول أهمية إجراء الانتخابات.
وشددت أبوراص على رفضها لما يحاول بعض أعضاء مجلس النواب تمريره داخل المجلس، وفرض دستور 51 والاستحواذ على إرادة الشعب بحجة التوزيع العادل للثروات، وفق تعبيرها.
واستدركت: ” نحن بحاجة إلى نظام اتحادي يسهم في تحقيق العدالة لكل المواطنين والمناطق والمدن والأقاليم على قدم المساواة، ولكن هذه الدعوة في ظل وجود مدن ضعيفة ومدن قوية هو ظلم جديد يطال الليبيين”.
من جانبه يشكك الكاتب السياسي السنوسي بسيكري في مدى تمثيل هذه الدعوة من أعضاء البرلمان عن المنطقة الشرقية لإقليم برقة بالكامل، فقد كتب في مقاله الذي نشره موقع “عربي 21”: “سيكون من التضليل القول بأن موقف هذه الكتلة هو تعبير عن جموع سكان “برقة” فاستطلاع الرأي الذي أشرف على تنفيذه مركز البحوث التابع لجامعة بنغازي عام 2013م أكد أن نسبة من أيدوا الطرح الفيدرالي 11 في المئة ضمن المنطقة الشرقية. ولكي يكون موقف الكتلة موقفا مبررا ينبغي أن يلقى دعم أغلبية سكان الإقليم، وهو ما لا يمكن القطع به في ظل غياب الدراسات الميدانية الموضوعية أو استفتاء تشرف عليه جهات محايدة”.
ووسط هذا الاستمرار في الاختلاف على رؤية سياسية واحدة تصل بالبلاد إلى بر الأمان، تتواصل مطالب الليبيين بضرورة إيجاد توافق وطني، ينهي هذا الخلاف الذي أدى إلى تشتيت البلاد، وتضييع ملامح دولتها المنشودة.
مناقشة حول هذا post