أعلنت البعثة الأممية أنها على أعتاب مرحلة “الحوار المهيكل” في ليبيا، المقرّر انطلاقه خلال شهر نوفمبر 2025، بعد مشاركة نحو 460 شخصية ليبية في محادثة رقمية مع نائبة الممثّلة الخاصة للأمين العام، ستيفاني خوري، ما يعكس توجّهاً أممياً نحو إشراك أوسع من المجتمع الليبي في عملية سياسية طال انتظارها.
وتأتي هذه الخطوة في سياق رؤية أممية تتوخّى إنجاز انتخابات وطنية موثوقة، وتوحيد المؤسسات الليبية المشتتة، بعد تجربة انتقالية امتدت أكثر من عقد من الزمن.
المحاور الأربعة للحوار المهيكل
حددّت البعثة الأممية أربعة محاور رئيسية يُعتمد عليها في مسار الحوار، وهي: الحوكمة والسياسات العامة، الأمن، الاقتصاد، وحقوق الإنسان والمصالحة الوطنية.
الحوكمة والسياسات العامة: مع غياب حكومة تنفيذية موحّدة، تحتاج ليبيا إلى إطار تشغيل للمؤسسات الحكومية والمناطقية، والمساءلة، وإصلاحات قانونية.
الأمن: الانقسام العسكري بين الشرق والغرب، ووجود الميليشيات، وغياب تسلسل قيادي موحّد للمؤسسات الأمنية، يجعل الأمن من أهم التحديات.
الاقتصاد: إدارة عوائد النفط والإنفاق العام، وإصلاح المؤسسات الاقتصادية المتعثّرة، تشكّل محوراً جوهرياً في الحرب السياسية على الأرض.
حقوق الإنسان والمصالحة الوطنية: لإنجاح أي مسار سياسي يحتاج إلى شرعية مجتمعية، وهو ما يتطلّب معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، والبدء بعملية مصالحة شاملة.
الإطار الزمني والمرحلي
تمّ تقديم الخارطة الأممية إلى مجلس الأمن في 21 أغسطس 2025، وهي تنصّ على تنفيذ خارطة الطريق ضمن فترة تتراوح بين 12 و18 شهراً، مع مرحلة أولى للحوار المهيكل تمتد من 4 إلى 6 أشهر.
ويشترط تنفيذ خطوات تأسيسيّة — مثل تعزيز المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وإصلاح الأطر القانونية للانتخابات — قبل الشروع في تشكيل حكومة موحدة.
لماذا هذه الخطوة مهمة؟
تمثّل محاولة جدّية من الأمم المتحدة لكسر حالة الجمود السياسي الطويلة في ليبيا، بعد فشل الانتخابات المقرّرة في ديسمبر 2021
ركزت البعثة الأممية على إشراك أوسع من المجتمع المدني، والشباب، والنساء، في عملية التشاور، ما يعكس تغيّراً في أسلوب التعامل من النخب إلى إشراك الجمهور.
تؤسّس المرحلة للحوار حول قضايا جوهرية وليست مجرد ترتيب مؤقت، بل تتطلّع إلى بناء مؤسسات موحدة وانتخابات ذات مصداقية.
التحديات التي تواجه المسار
ضعف التوافق بين الأطراف المؤثرة
لا يزال التوافق بين الأطراف المؤثرة — سواء في الشرق أو الغرب أو الجنوب — غائباً، ما يجعل تنفيذ الاتفاقات أمراً حسّاساً، إذ يتطلّب الأمر تنازلات من الكتل الكبرى والمؤسّسات الأمنية والاقتصادية.
سابقات الحوارات غير المنفّذة
تاريخ ليبيا يحفل بتجارب حوار متعدّدة لم تؤدِ إلى تنفيذ فعلي، وهو ما يثير هاجساً من أن تكون هذه المحاولة “حواراً شكليا” أو تأجيلاً جديداً.
آليات التنفيذ والضغط
على الرغم من التأكيدات الأممية بأن البعثة الأممية ستراقب محاولات الإعاقة وربما يُنظر في عقوبات من مجلس الأمن، لكن يبقى السؤال حول مدى امتلاك المسار لآليات ضغط فعالة على الأطراف المتشدّدة أو غير المتعاونة.
البيئة الأمنية والتمويل
الانقسام الأمني والاقتصادي، ووجود ميليشيات ومصادر نفوذ موازية، يشكّلان تهديداً كبيراً لأي تنفيذ، خاصة مع ارتباط الاقتصاد الليبي بشكل وثيق بعوائد النفط التي ما زالت محسوبة في صراعات.
ما الذي يُنتظر من الحوار المهيكل؟
إنتاج رؤية مشتركة لليبيا المستقبل تُقدّمها الأطراف الليبية ضمن إطار الحوار المهيكل، لتُحوّل من مجرد مشاورات إلى خارطة طريق ملموسة للانتخابات والمؤسسات.
التوصيات التي يصدرها الحوار ستُقدَّم إلى المؤسسات الليبية لاتخاذ القرار بشأنها، ما يعني ضرورة توافق مسبق بين المشاركين لتجنُّب أن تصبح توصيات دون تنفيذ.
تهيئة بيئة مواتية للانتخابات: عبر إصلاحات قانونية، تعزيز المفوضية الوطنية للانتخابات، توحيد المؤسسات، وضمان أمن الناخبين.
لماذا هذه المحطة “فاصلة”؟
النجاح في هذه المرحلة يعني نهاية حقبة انتقاليّة امتدّت طويلاً، ويُفتح الباب أمام استحقاق انتخابي واضح يمكن أن يُعيد وحدة الدولة الليبية ومشروعيّتها.
أما الفشل — أو تكرار التأجيلات — فيعيد ليبيا إلى دائرة التشرذم، وربما تعميق الانقسام، ويضع العملية السياسية في موضع شك آخر.
مع اقتراب موعد الحوار المهيكل، فإن الأعين تتجه إلى ما سيُفضي إليه هذا المسار، هل يكون بداية نهاية الأزمات الليبية؟ أم محطة إضافية في طريق طويل؟
ليبقى السؤال الجوهري: هل لدى ليبيا اليوم إرادة حقيقية للتوافق، أم أنها ما تزال أسيرة المعادلات الإقليمية والمحلية؟
 
			



 
                
مناقشة حول هذا post