تحدث كتب الخبير في الشأن الاقتصادي “نورالدين حبارات” حول الميزانية المُعتمدة أخيراً للحكومة الليبية برئاسة “فتحي باشاغا” قائلا : إن المواطنين يترقبون هذه الأيام مع اعتماد قانون الميزانية الإجراء أو الخيار الذي سيتخذه مصرف ليبيا المركزي وما إذا كان سيلتزم بتنفيذ قانون الميزانية الصادرة عن مجلس النواب، أم إنه سيلتزم بتنفيذ ترتيبات مالية يتوقع أن يقرها مجلس الوزراء لحكومة “الدبيبة” أو استمراره في تنفيذ الصرف بموجب الـ 1/12 من نفقات العام المالي 2021 وتحديد الصرف في الأبواب المتاحة “المرتبات والدعم فقط”
ويضيف “حبارات” في تعليقه الاقتصادي: “قانوناً وبموجب قانون المصارف وتعديلاته لسنة 2005م يخضع مصرف ليبيا المركزي للإشراف والمتابعة من قبل السلطة التشريعية “مجلس النواب” وهذه السلطة هي من تعين محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه وأعضاء مجلس إدارته وهي أيضاً من تعفيهم وتقبل استقالاتهم
وأوضح “حبارات” أنه وفقا للقوانين المالية والتشريعات الليبية النافذة فإن المركزي قانوناً ملزم بتنفيذ القوانين والقرارات الصادرة عن هذه السلطة “مجلس النواب” بغض النظر عن تحفظاتنا عنه وعن أدائه السيء طيلة السنوات الماضية حيث يعتبره الكثيرون سببا مباشرا فيما آل إليه حال البلاد اليوم
وشدد أن مهمة المركزي تنحصر وفق القانون المذكور أعلاه في تنفيذ أوامر أو أذونات الصرف التي تصدرها الحكومة “وزارة المالية” وذلك خصماً من حساباتها، فالحكومة هي من تقرر الصرف والمركزي منفذ له فقط، كما أنّ المركزي في بعض الأحيان يموّل نفقات الحكومة في حال عدم كفاية أرصدة حساباتها أو انكشافها وذلك بمنحها سلفة مالية لتمويل أي عجز طارئ موسمي وذلك بما يعادل %20 من إجمالي الإيرادات العامة على أن تسدد الحكومة هذه السلفة قبل نهاية السنة المالية ويحظر تكرار منحها في حال تخلفها عن سدادها”.
ويؤكد “حبارات” في تحليلاته الاقتصادية أن “هذه الآلية متبعة ومتعارف عليها منذ عقود ليس في ليبيا فحسب بل في كل دول العالم تقريباً؛ لكن مع الانقسام السياسي المقيت الذي ضرب البلاد منذ أغسطس من العام 2014 وما ترتب عنه من ازدواجية لمؤسسات الدولة أصبحت مسألة تنفيذ المركزي للميزانية في ظل حكومتين محل تساؤل وجدل قانوني، فهناك من يرى أن المركزي خالف القانون، وهناك من يرى عكس ذلك خاصةً بعد غياب قوانين الميزانية، فآخر قانون ميزانية صدر في 23 يونيو 2014 أي قبل انتخابات “مجلس النواب”.
وقال “حبارات”: ” لكن ومع كل الجدل حول مدى قانونية إجراءات تنفيذ الصرف من قبل المركزي خلال السنوات الثماني الماضية؛ فإنه لم يخرج عن الآليات المتبعة والمتعارف عليها لكن يبقى السؤال كيف؟
1- في سنة 2014 التي انقسمت فيها البلاد التزم المركزي بتنفيذ قانون الميزانية الصادر عن المؤتمر الوطني العام
2- في نوفمبر 2014 الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا تصدر حكماً بإلغاء الفقرة الحادية عشرة من المادة (30) من الإعلان الدستوري المؤقت أي إلغاء مقترحات لجنة فبراير التي انبثق عنها مجلس النواب ما يعني بطلانه وعودة المؤتمر الوطني للمشهد كطرف في الصراع وفي النزاع على الشرعية.
3- في مايو 2015 المؤتمر الوطني يعتمد مشروع قانون الميزانية تحت رقم (9) لسنة 2015 المقدم من قبل حكومة الإنقاذ الوطني ولا ينفذ المركزي الميزانية المعتمدة من قبل مجلس النواب للحكومة المؤقتة في شرق البلاد.
4- خلال العام 2015 رعت الأمم المتحدة جولات حوار بين أطراف الصراع “مجلس النواب و المؤتمر الوطني” في مدينة “الصخيرات” المغربية توِّج في ديسمبر من العام نفسه بتوقيع اتفاق سلام و تقاسم السلطة بينهما مع “المجلس الرئاسي” وبموجب هذا الاتفاق “اتفاق الصخيرات” تستمد كل الأطراف منه شرعيتها لا من الإعلان الدستوري المؤقت الذي أتت بموجبه وذلك عبر انتخابات يوليو 2012 وانتخابات يونيو 2014 أي بمعنى هذا الاتفاق هو الإطار المنظم لعمل المؤسسات خلال المرحلة الانتقالية على أن يتوج باعتماد دستور دائم للبلاد وانتخابات عامة خلال سنة من توقيعه قابل للتجديد و لمرةٍ واحدة فقط، مع ملاحظة أنّه بموجب هذا الاتفاق تعتبر حكومة الإنقاذ والحكومة المؤقتة غير شرعيتين.
5- خلال العام 2016 رفض مجلس النواب ولمرتين منح الثقة للحكومة المقدمة من “المجلس الرئاسي” وخلال هذا العام نفذ المركزي قرار “المؤتمر الوطني” العام بشأن الإذن بفتح اعتمادات شهرية مؤقتة في حدود 1/12 من اعتمادات السنة المالية 2015.
6- في أعوام 2017، 2018، 2019، 2020 ونظراً لانقسام “مجلس النواب” وتعذر إقرار قانون الميزانية تم اعتماد ما يسمى بالترتيبات المالية وفقاً لأحكام المادة (9) فقرة (5) من اتفاق الصخيرات وقام المركزي بتنفيذ قيمة تلك الترتيبات على كافة الأبواب ويرفض دائماً تنفيذ الصرف في ظل عدم وجود هذه الترتيبات أو آلية 1/12 من ترتيبات السنة السابقة.
7- في أبريل من العام 2021 ومع التئام “مجلس النواب” تقدمت “حكومة الدبيبة” بمشروع قانون للميزانية للعام 2021 لكن مجلس النواب رفض اعتماد المشروع.
وبناء عليه تم الصرف بموجب 1/12 من الميزانية المقترحة التي تقدمت بها حكومة الوحدة وذلك استناداً إلى المادة (24) من مقترحات لجنة فبراير التي ضمنت للإعلان الدستوري المؤقت بموجب التعديل السابع في العام 2014 واستناداً على ذلك نفذ المركزي الصرف على كافة الأبواب.
8- خلال الفترة من 1/1 حتى 31/5:2022 م أي العام الحالي أشار المركزي في بيانه مؤخراً إلى أن الصرف يتم بموجب 1/12 من نفقات السنة المالية 2021 م على الأبواب المتاحة للصرف وذلك في ظل عدم اعتماد قانون الميزانية الذي تم اعتماده أمس فقط.
كما أن الصرف على الأبواب المتاحة يشير فيه ضمنياً إلى مسألة تجميد الإيرادات النفطية واقتصار الصرف منها على المرتبات والدعم فقط وذلك بناءَ على كتاب من السيد رئيس “مجلس النواب”.
ويضيف “حبارات” في مقالته ” عليه وبناء على ما تقدم نخلص إلى أن المركزي ملزم وإلى حد ما بتنفيذ الصرف وفقا للقانون ويولي أهمية للاتفاق السياسي الذي تنتهي آجاله الأسبوع القادم والذي يعتبر بمثابة إطار منظم لعمل المرحلة الانتقالية ومن ثمة فإن الخيارات المتاحة أمام المركزي قليلة جداً وتتمثل في “
1- تنفيذه قانون الميزانية الصادرة عن مجلس النواب وهذا إجراء متعارف عليه وملزم به بموجب القانون ولا يحمله أي مسؤولية.
2- تنفيذه لترتيبات مالية طارئة يتوقع أن يقرها مجلس الوزراء لحكومة الوحدة الوطنية تمول في شكل سلف مالية وهذا يعني وعلى الجانب الآخر قيام حكومة الاستقرار بترتيب التزامات مالية ومفاقمتها للديون وتحميل خزانة الدولة بأعباء إضافية يتحمل المركزي مسؤوليتها وتضعه تحت طائلة القانون والمساءلة، ناهيك عما ستخلفه من تداعيات سيئة وكارثية على الاقتصاد الوطني المنهك أصلاً.
3- استمرار المركزي في الصرف بموجب 1/12 على بابي المرتبات والدعم مع تجميد الايرادات النفطية وذلك تجنباً للإحراج والدخول مباشرةً في الصراعات السياسية وهذا ما يبدو غير ممكن في ظل اعتماد قانون الميزانية؛ لننتظر ونرى.
مناقشة حول هذا post