أكد المحلل الاقتصادي نورالدين حبارات أن الإقدام على رفع أو استبدال دعم الوقود في ظل الظروف الراهنة قرار ارتجالي متهور يفاقم ويعمق من معاناة المواطنين وسلبياته تفوق إيجابياته بكثير.
وأضاف حبارات ” تعكف حكومة الدبيبة خلال هذه الأيام على إجراء دراسة لإقرار استبدال دعم الوقود تدريجياً وقد شكلت لجنة لهذا الغرض”.
وتابع قائلا “كما هو معروف قرار رفع دعم الوقود أو استبداله يعتبر قرارا استراتيجيا بامتياز ويجب أن بخضع لدراسات تحليلية مسبقاً لقياس أبعاده وآثاره الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين بشكل خاص وعلى خزانة الدولة بشكل عام فهو ليس قرارا عاديا أو روتينيا كغيره خاصةً في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد جراء الانسداد السياسي والتنازع على الشرعية بعد فشل الخارطة الأممية”.
مناصرو رفع الدعم
يقول حبارات إن مؤيدي استبدال دعم الوقود يعزون وجهة نظرهم إلى الفساد والهدر الكبير في فاتورة الدعم بسبب أعمال التهريب والاستهلاك المفرط للكهرباء دون ضوابط فضلا عن تكلفة الوقود في ليبيا الأرخص في العالم وأن رفع الدعم أو استبداله بمقابل نقدي من شأنه أن يحد من الفساد ويرشد في استهلاك الكهرباء ويكفل العدالة في الاستفادة من الوقود من قبل كل المواطنين.
ويرى حبارات أن الفساد مستفحل وبشكل غير مسبوق ويضرب أطنابه في كافة أبواب الميزانية لاسيما في أبواب الطوارئ والتسييرية والتنمية ولا يقتصر الفساد على باب الدعم فقط وإن الأمر يتطلب مكافحته ومحاربته بدون هوادة.
وأوضح المحلل الاقتصادي أن البلاد تعيش ظروفا استثنائية غير طبيعية والحكومة ضعيفة جداً وغير مؤهلة لاتخاذ قرار لرفع الدعم ولم تتحمل مسؤوليتها تجاه تزايد أعمال التهريب ولم تتخذ الإجراءات القانونية الرادعة حيال المهربين وعدم ضبطها للحدود.
تجربة سابقة سيئة
وأفاد حبارات بأن البعض يتناسى التجربة السيئة لرفع الدعم السلعي والغذائي منذ عام 2015 عندما رفع الدعم دون صرف مقابل حيث ارتفعت اليوم أسعار الغذاء بما يقارب %400 من أسعارها في ذلك العام وكانوا يعتبرون المواطنين لديهم ثقافة استهلاكية تمكنهم من توجيه المقابل النقدي المخصص للدعم لشراء الوقود فقط وليس لشراء أغراض أو توفير احتياجات أخرى متعددة.
وتحدث المحلل الاقتصادي عن التداعيات السلبية المحتملة لقرار رفع الدعم في ليبيا على الأوضاع المعيشية للمواطنين وعلى المستوى العام للأسعار بزيادة معدلات التضخم ومقارنتها بدول أخرى ارتفعت فيها مؤخراً معدلات التضخم كان بسبب ارتفاع أسعار الوقود.
تداعيات سلبية
واعتبر حبارات أن رفع أو استبدال دعم الوقود يعني ارتفاعا ملحوظا في تكلفة نقل وتسويق البضائع وارتفاع تكلفة خدمات نقل الركاب البري والبحري والجوي في بلد شاسع المساحة مترامي الأطراف يعاني من ضعف البنية التحتية من شبكات طرق وسكك حديدية ومطارات ووسائل نقل عام ومتوسط دخل مواطنيها يوصف بالضعيف.
ومن بين التداعيات السلبية ارتفاع تكلفة التشغيل والإنتاج للسلع مثل رغيف الخبز والخضراوات والحبوب والوجبات التي تقدمها المقاهي والمطاعم وكذلك الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من السلع والخدمات وارتفاع أكثر لتكلفة تشغيل المولدات الكهربائية لغرض الحصول على الكهرباء في ظل أزمة تدهور خدمات الكهرباء المزمنة وطرح الأحمال التي فاقمت معاناة المواطنين على الرغم من المبالغ الكبيرة التي تخصص لها سنوياً.
وتساءل حبارات عن قيمة تقديرات المقابل النقدي المقرر دفعه للمواطنين وقيمته الإجمالية وأثره وتداعياته الاقتصادية على الأسعار في ظل تزايد الإنفاق العام وشح السيولة وارتفاع المعروض النقدي خارج المنظومة المصرفية وضعف القدرة الشرائية للمواطنين من جهة والتراجع الملحوظ في إيرادات البلاد جراء انخفاض صادرات النفط والانسداد السياسي من جهة أخرى.
مخصصات دعم الوقود للفرد
وقدّر حبارات قيمة مخصصات دعم الوقود في الميزانية المعتمدة للعام الحالي 2022 والمقدمة من قبل الحكومة الليبية بـ 7.000 مليار دينار بما يعادل 1.450 مليار دولار نصيب الفرد منها 930 دينارا سنوياً بما يقارب من 75 دينارا شهرياً وهذه القيمة يمكن ضبطها وتقليصها في حدود 20 إلى %25 وذلك إذا تمت مراعاة الدقة في تقدير تلك المخصصات فالفائض في تقديرات كميات الوقود عادةً ما يسيل لعاب المهربين ويفتح المجال أمامهم لتهريبه.
وتلك المخصصات المقدرة بـ 7.000 مليار دينار تقل بمقدار 3.000 مليار دينار وبما نسبته %30 عن إجمالي القيمة الفعلية لدعم الوقود عن العام 2021 التي ناهزت حينها 10.000 مليار دينار وما يعادل 2.233 مليار دولار وفقا لبيانات المصرف المركزي.
وختم حبارات أن الدولة عملياً لا تدعم الوقود فقط كما يعتقد كثيرون بل تدعم الخدمات الصحية والتعليمية في كافة مراحلها إلى جانب الأمن والدفاع على الرغم من سوء ورداءة تلك الخدمات فضلا عن أن على الحكومات استيعاب أنه لا يمكن إصلاح دعم الوقود أو مرتبات المواطنين ورفع القدرة الشرائية من خلال إجراءات تلفيقية منعزلة غير مدروسة تبررها ظروف وقتية وتحركها دوافع سياسية ولا تبررها أهداف واعتبارات اقتصادية وفق خطط واستراتيجيات وسياسات.