على طول الساحل الغربي والحدود الجنوبية لليبيا، يتواصل تهريب الوقود في واحد من أكثر الأنشطة ربحاً في اقتصاد الظل، ليتحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى شريان مالي أساسي يعيد تشكيل موازين القوة بين الأطراف المتنافسة ويعمّق الأزمة الاقتصادية.
ما رأي الخبراء الاقتصاديين في استفحال هذه الظاهرة، وتداعياتها على الاقتصاد الليبي؟
في هذا الصدد، قال الخبير النفطي حسين الصديق لـ”العربي الجديد” إن واردات الوقود ارتفعت من 20.4 مليون ليتر يومياً إلى أكثر من 41 مليون ليتر، وهو رقم “لا يتناسب مع الاستهلاك المحلي ولا مع بيانات الحركة الاقتصادية”.
وأضاف حسين الصديق أن “هذه الفجوة تشكّل أحد أكبر منافذ التهريب في البلاد، وتحوّلها الأطراف المسلحة إلى أحد أهم مصادر تمويلها”.
ويؤكد الباحث في اقتصاديات النزاعات نورالدين بن عمران لـ”العربي الجديد” أن السيطرة على مستودعات التوزيع ومسارات الشاحنات والطرق الساحلية “أصبحت مورداً سياسياً بحد ذاته”، مضيفاً أن بعض المجموعات توظّف أرباح التهريب لشراء الأسلحة أو ضمان الولاءات داخل الإدارات المحلية.
وفي الساحل الغربي، يصف مسؤول سابق في إدارة التسويق بالمؤسسة الوطنية للنفط لـ”العربي الجديد” الوضع بأنه “شبكة موازية تملك نقاط مراقبة خاصة بها وتنسّق مباشرة مع بعض السفن الأجنبية في البحر”، مؤكداً أن ضعف المؤسسات سمح بتحول التهريب إلى منظومة متكاملة تتجاوز قدرة الدولة.
ورأى الخبير المالي صبري ضو أن تهريب الوقود أشبه بضريبة خفية تُفرض على المواطن، موضحاً أن الليبي “يدفع ثمن الدعم مرتين: مرة من خزينة الدولة، ومرة من خلال ارتفاع الأسعار وتآكل القيمة الحقيقية للدعم”. وأضاف لـ”العربي الجديد” أن النشاط لم يعد محلياً فحسب، بل أصبح “جزءاً من شبكة اقتصادية إقليمية تغذّي صراعات خارج الحدود الليبية”، مشيراً إلى امتدادها جنوباً نحو السودان وتشاد، وشمالاً نحو مالطا وإيطاليا.
ويقول الخبير الاقتصادي محمد أنبية لـ”العربي الجديد” إن استمرار هذه الخسائر يعني أن نحو نصف واردات الوقود لا تصل إلى المستهلك النهائي أو محطات توليد الكهرباء، بل تتحول إلى سيولة نقدية تتوزع بين مجموعات مسلحة وشبكات تهريب منظمة، ما يعكس أثراً مزدوجاً على الاقتصاد الوطني: فقدان موارد مالية مهمة وارتفاع تكلفة الخدمات الأساسية، مع تعزيز قوى الظل داخل الاقتصاد الليبي.
واعتماد الدعم الحكومي للوقود منذ عقود، إلى جانب ضعف الرقابة وتضخم الإنفاق العام والانقسام المؤسسي، خلق بيئة مناسبة لانتشار التهريب.
وتشير تقارير إلى أن السيطرة على نقاط التهريب تحولت إلى امتياز لقوى عسكرية نافذة، تستخدم هذه التجارة لتعزيز مواقعها داخل مؤسسات الدولة، وفق منظمة “سينتري” (The Sentry). في الغرب، تدير مجموعات مسلحة شبكات تهريب بحرية من الزاوية وزوارة ومصراتة، بينما أصبح صدام حفتر الفاعل الرئيس في خطوط التهريب شرقاً وجنوباً نحو السودان وتشاد.



مناقشة حول هذا post