لم تهدأ بعد أصداء تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2021 حتى بادرت هيئة الرقابة الإدارية بنشر تقريرها لذات السنة ليكون متاحا أمام الجميع، لتبدأ الجهات الرقابية فرض حصار خانق على عبد الحميد الدبيبة وحكومته، عبر عرض تحركاته المالية والإدارية على الليبيين كافة، ووضعه في مواجهة مباشرة مع الشعب الذي يتساءل عن المليارات التي تُنفق دون أن تنعكس على حياته.
وعلى الرغم من ترويج وسائل الإعلام المقربة من الدبيبة طيلة الأشهر الماضية أنه يعمل بالشراكة مع الأجهزة الرقابية، ويفتح أمامهم مجال التعاون على مصراعيه؛ فإن التقارير كشفت غير ذلك، وأظهرت ما لم يكن في حسبان الدبيبة ووزرائه ومسؤوليه.
الرقابة الإدارية تتحرك ضد المتورطين
الهيئة الرقابية وبعد أن تطرقت في تقريرها إلى المخالفات الإدارية في شتى مفاصل الحكومة، بدءا من مجلس وزرائها إلى أصغر الهيئات والجهات التابعة لها، ذكرت أنها اتخذت جملة من الإجراءات حيال المسؤولين الذين ثبتت بحقهم تلك المخالفات، من بينها الإيقاف عن العمل، والإحالة على التحقيق، وإيقاف التصرف في حسابات الجهات التي لحقها الضرر لدى المصارف عدا المرتبات.
لم تكتف الهيئة بهذه الإجراءات فحسب، بل خاطبت الجهات التي وقعت منها المخالفات بمعالجتها وتسويتها، وألزمتها بالرد عليها بما يفيد التنفيذ؛ للوقوف على مدى جدية تلك الجهات في معالجة الخلل من عدمه.
مسؤولون أمام العدالة
الهيئة قالت إنها بدأت التحقيق ومباشرة الدعاوى الجنائية والتأديبية في 216 قضية، واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها؛ من إحالة إلى المحاكم المختصة، ومجالس التأديب المختلفة؛ للنظر فيها والطعن بالإلغاء أمام دوائر القضاء الإداري في 20 قرارا إداريا معيبا صادرا عن الجهات التنفيذية، إلى جانب بحث ودراسة 790 شكوى وبلاغا تلقتهم الهيئة، واتخذت الإجراءات حيالها.
دعوات للسلطة التشريعية إلى التدخل
هيئة الرقابة الإدارية، دعت في تقريرها السنوي، السلطة التشريعية إلى إصدار التشريعات اللازمة لمعالجة الملاحظات التي تضمنها التقرير بشأن أداء السلطة التنفيذية، لتلافي أوجه النقص والقصور مستقبلا، وإلزام كل الجهات التنفيذية بضرورة معالجة الملاحظات المسجلة عليها، والتي لوحظ تكرارها لسنوات.
التقرير يكشف مواطن الخلل
بعد أن تحدثت عن مخالفات الأجهزة التنفيذية وعلى رأسها ديوان مجلس وزراء الدبيبة، ذكرت هيئة الرقابة مجموعة من مواطن الخلل المجملة، لافتة إلى أنه على رأسها عدم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للقضاء على ظاهرة التسيب الإداري بمؤسسات الدولة.
وأكد التقرير غياب الخطط السنوية لأغلب الوزارات والجهات التابعة لها، ما ترتب عليه قيامها بالعمل وفقا لما يفرضه الواقع، إلى جانب عدم تحديث الهياكل التنظيمية والملاكات الوظيفية، وعدم تسكين العاملين وفقا للمؤهلات والتخصصات والخبرة العملية.
إضافة إلى التوسع في صرف العهد المالية والسلف، واستخدامها كأسلوب من أساليب الصرف، والتهاون في تسويتها بالطرق القانونية، وعدم إخضاعها للتدقيق والمراجعة، ناهيك عن عدم تناسب المؤهلات العلمية والمهنية لشاغلي الوظائف القيادية ببعض مؤسسات الدولة، وعدم مراعاة مبدأ الخبرة والكفاءة.
تحييد المراقب المالي
التقرير أشار إلى إشراك بعض المراقبين الماليين في لجان متعددة الأغراض، والقيام بعمليات تنفيذية وتقاضيهم نظير ذلك مزايا ومنحا مالية وعينية، بالمخالفة لمناشير وزارة المالية، والتي من شأنها أن تفقدهم الحياد والاستقلالية.
نقص المعلمين
وكشف التقرير عن نقص المعلمين في بعض التخصصات، وعدم معالجة هذه الإشكالية على الرغم من وجودها منذ عدة سنوات، إضافة إلى النقص في الأثاث المدرسي والمعامل ببعض المؤسسات التعليمية.
فساد الصحة
رصدت الهيئة تدهورا كبيرا للوضع الصحي؛ بسبب النقص في الأدوية ومستلزمات التشغيل والمحاليل الطبية، مع إهمال وضع حد لارتفاع أسعار الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية، وتقديم الخدمات العلاجية بالمستشفيات والمصحات الخاصة.
كما أنه لم يتم توفير محارق طبية في أغلب المستشفيات للتخلص من المخلفات الطبية، ما يؤدي إلى الإضرار بالبيئة وانتشار الأمراض.
مطالبات بإصلاح الأوضاع
التقرير طالب بإلزام مجلس وزراء الدبيبة بالعمل على إعداد خطة عمل تحدد الأولويات والسياسات العامة للدولة، لافتا إلى مجموعة من التوصيات التي يجب الالتزام بها على رأسها تفعيل نظام الرقابة الداخلية بالجهات الحكومية؛ لتفادي ارتكاب المخالفات والتجاوزات، والتقليل من تدني كفاءة معدلات الأداء والتشغيل، وارتفاع نسبة الفساد الإداري والمالي.
وتُعد هذه التقارير إدانة مباشرة لحكومة الدبيبة، وإثباتا صريحا لمخالفاتها الجسيمة، وإساءتها الإدارية المتمثلة في سوء التصرف في المال العام، وهو ما يتطلب من الجهات القضائية والأمنية أن تباشر إجراءاتها الصارمة لإيقاف حملة الفساد الممنهج التي بات لا بد من وضع حد لها.
مناقشة حول هذا post