وسط الجمود السياسي الشديد الذي تمر به ليبيا، يعرف ملف المصالحة الوطنية حراكا محليا وإقليميا من أجل الدفع بالعملية السياسية إلى الأمام كون نجاح المصالحة الوطنية يسهل مأمورية إعادة ترتيب المشهد العام في البلاد.
وحال مسار المصالحة الوطنية في ليبيا حافل بالصعاب، مسار طويل وشائك تتداخل فيه السياسة مع القضاء كون أن هناك ملفات لم تر أي تحرك ما يصعب تسويتها في إطار المصالحة كونها قضايا جنائية تحمل في طياتها انتهاكات حقوقية جسيمة.
وفي مسار المصالحة الوطنية، زار الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الجمعة، بصفته الرئيس الدوري الحالي للاتحاد الإفريقي، طرابلس في مهمة وساطة جديدة في الأزمة الليبية.
ويقود الرئيس الغزواني الوساطة الإفريقية بعد أن مهد لها بمحادثات أجراها مع أطراف الأزمة خلال زيارتين متقاربتين قام بهما لنواكشوط في أغسطس الماضي، كل من رئيس الحكومة في بنغازي أسامة حماد والنائب بالمجلس الرئاسي موسى الكوني.
وتتأسس الوساطة التي سيقود فيها لجنة الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى بشأن ليبيا التي يرأسها الرئيس الكونغولي دنيس ساسو انغيسو، على نداء برازافيل من أجل تسريع عملية السلام والمصالحة في ليبيا الصادر عن اللجنة المذكورة يوم الخامس فبراير 2024.
وأكد البيان الختامي للقمة الإفريقية في برازافيل ضرورة وضع آلية أكثر فاعلية لإدماج دول الجوار في أعمال اللجنة، مشيدا بالتقدم السياسي الكبير في ليبيا، المفضي إلى الانتخابات.
وأعربت القمة عن دعمها توحيد المؤسسات الوطنية، وعبرت عن اطمئنانها للجهود التي يبذلها المجلس الرئاسي من خلال اعتماد رؤية إستراتيجية وطنية للمصالحة تقوم على الملكية الوطنية.
ودعا المشاركون في قمة برازافيل جميع أصحاب المصلحة الليبيين إلى تبنى جهود المصالحة بشكل كامل، وبطريقة شاملة وبناءة، مرحبين بالتزام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وحث ممثله الخاص في ليبيا على التعاون الوثيق مع الاتحاد الأفريقي من أجل ضمان استعادة السلام في ليبيا.
وطالب المجتمعون جميع الأطراف الخارجية بالتوقف والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا، لأن ذلك يقوض المصالح الأساسية للشعب الليبي وتطلعاته المشروعة، مؤكدا الحاجة الملحة لسحب كل المقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا”، وفقاً لقرارات الاتحاد الأفريقي والقرارات الدولية ذات الصلة.
بالمناسبة، شددت اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى من خلال نداء برازافيل من أجل تسريع مسار السلم والمصالحة في ليبيا على الدور الحاسم لمسار المصالحة الوطنية في إطار إرساء الثقة وتوطيد السلام كشرط مسبق للانتخابات.
في السياق، ثمنت بعثة الاتحاد الإفريقي التزام المجلس الرئاسي والحكومة في طرابلس بدعمها وبتسهيل مهمتها في دعم مسار المصالحة الوطنية.
وقالت البعثة في بيان لها، إن المباحثات في طرابلس جرت في جو تطبعه المسؤولية والأخوة الصادقة؛ وتم أثناءها استعراض ملف المصالحة وضرورة دفعه قدما، من خلال اجتماع تشاوري شامل، يفضي إلى المصادقة على ميثاق للمصالحة الوطنية.
وفي السياق ذاته، أعلنت بعثة الاتحاد الإفريقي أنها ستجري في أقرب الآجال مشاورات مماثلة مع السلطات في بنغازي ومع سائر الأطراف الليبية، كمرحلة ثانية مكملة لمهمتها.
وأجرت بعثة من الاتحاد الإفريقي زيارة إلى طرابلس يومي الخميس والجمعة الماضيين، برئاسة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي، محمد ولد الشيخ الغزواني، وبعضوية كل من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسي فكي محمد ، ووزير الخارجية والفرانكفًوية والكونغوليين في الخارج جان كلود جاكوسو، ممثلا خاصا عن رئيس جمهورية الكونغو.
وكانت بعثة الأمم المتحدة جددت التأكيد على ضرورة وضع الضحايا في صميم أي عملية للمصالحة الوطنية.
وأعادت البعثة في اختتام مؤتمر “دعم عملية شاملة للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية” بطرابلس نهاية فبراير الماضي، التأكيد عن رفضها لمنح العفو في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ويعد المؤتمر جزءا من جهود أوسع تيسرها بعثة الأمم المتحدة لدعم عملية مصالحة شاملة تقوم على الحقوق وعدالة انتقالية ترتكز على الضحايا في ليبيا.
وفي مايو الماضي، كشفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن اتفاق ممثلين عن المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والأعلى للدولة والهيئة التأسيسية لصياغة الدستور على مشروع قانون بشأن المصالحة الوطنية.
وأفادت البعثة الأممية بأن هذا المشروع سيُعرض على لجنة العدالة والمصالحة بمجلس النواب قبل تحويله إلى مجلس النواب للتصويت عليه في جلسة علنية.
وفي مايو الماضي كذلك، بحث وزير الخارجية والتعاون الدولي المفوض بالحكومة في بنغازي عبدالهادي الحويج مع وزير الشؤون الخارجية والكونغوليين بالخارج جان كلود غاكوسو، ممثلا عن رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى إلى ليبيا سُبل إنعاش وإحياء مسار المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا، والذي لا يقوم على المغالبة، وأهمية وضع تصور خاص لهذه العملية ينسجم مع مطالب جميع الأطراف.
وأكد الوزير أن الاتحاد الأفريقي يحظى بثقة مختلف الأطراف الليبية، مثنياً على جهوده في محاولة إنجاز هذا الاستحقاق الهام والضروري نحو قيام دولة القانون والمؤسسات، ودولة حقوق الإنسان والحريات العامة.
وأفاد عبدالهادي الحويج بأن الحكومة في بنغازي برئاسة أسامة حماد أخذت على عاتقها منذ بداية عملها مشروع المصالحة الوطنية، كمشروعٍ وطنيٍ هام إلى جانب إعادة الإعمار في إطار المصالح الاقتصادية والتوزيع العادل للثروات والموارد والتنمية على مختلف المناطق والمدن الليبية .
مناقشة حول هذا post