شد وجذب يشهده المشهد السياسي الليبي، لاسيما بعد كثرة الحوارات واللقاءات المكوكية التي أجرتها اللجنة المشتركة بشأن القوانين الانتخابية، قوانين أسالت الكثير من المداد بين مجلسي النواب والدولة وتتوسطها البعثة الأممية وتظل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تنتظر الضوء الأخضر، ما يزيد الانسداد السياسي تعقيدا دون فك شفراته المتداخلة محليا ودوليا.
في آخر إحاطة أمام مجلس الأمن، أشاد المبعوث الأممي على ليبيا عبد الله باتيلي بالتقدم الذي تم إحرازه على صعيد العملية الانتخابية، مشيرا إلى تمكن أعضاء لجنة 6+6 – التي أنهت عملها مطلع أكتوبر وعكفت على وضع القوانين الانتخابية من التوصل “إلى حل وسط بشأن العديد من القضايا”، رغم الضغوط الهائلة والمداولات الشاقة.
وأضاف باتيلي خلال إحاطة أمام مجلس الأمن، عبر تقنية الفيديو، أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تشيد بجهود اللجنة وترحب بالتقدم الذي تم إحرازه، مؤكدا أن الانتهاء من وضع القوانين الانتخابية من قبل اللجنة، “يوفر فرصة لكسر الجمود السياسي الحالي”.
وبحسب باتيلي، فإن البعثة سجلت عددا من الملاحظات بشأن القوانين الانتخابية الجديدة، حيث أشار إلى أنه من منظور تقني، تعد القوانين المنقحة بمثابة تحسين لمشاريع القوانين السابقة حيث تمت معالجة العديد من المخاوف التي حددتها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات والبعثة الأممية.
وأضاف أنه من المنظور السياسي، فإن “القضايا الأكثر إثارة للجدل سياسيا لا تزال دون حل”، بما فيها الجولة الثانية الإلزامية من الانتخابات الرئاسية، والربط بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتشكيل حكومة جديدة، مشيرا كذلك إلى الخلافات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حول القوانين الانتخابية، مشددا على أن تلك الخلافات تضع العملية الانتخابية برمتها أمام خطر وقوع أزمة سياسية أخرى.
وعبر عن أسفه لأن الأحكام المتعلقة بالجنسين في انتخابات مجلس الشيوخ ظلت دون تغيير، حيث تم تخصيص 6 مقاعد فقط للنساء من أصل 90 مقعدا.
وقال باتيلي إن “القوانين وحدها لا تستطيع ولن تجعل الانتخابات تحدث”، مشددا على أهمية دعمها من قبل مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، داعيا الجميع بمن فيهم القادة الرئيسيون، إلى الاجتماع والاتفاق على تسوية سياسية ملزمة نحو عملية انتخابية سلمية، يكون عمودها الفقري حكومة موحدة لقيادة ليبيا إلى الانتخابات.
وحول الخلاف بشأن تشكيل حكومة موحدة في ليبيا، أشار باتيلي إلى أن “هذا الأمر يثير خلافات شديدة ويمكن تحقيقه فقط من خلال التفاوض بين الأطراف المعنية لمنع تكرار التعيين الأحادي لحكومة فتحي باشاغا” السابقة.
وفي 4 أكتوبر الجاري أصدر مجلس النواب قوانين الانتخابات التي أقرتها اللجنة المشتركة 6+6، فيما أعلن المجلس الأعلى للدولة تمسكه بالقوانين التي أنجزتها وأصدرتها اللجنة في 6 يونيو الماضي عقب مباحثات في مدينة بوزنيقة المغربية، دون إجراء أي تعديلات عليها.
واعتبر رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة أن القوانين الصادرة عن البرلمان “مخالفة للتعديل الدستوري” و”باطلة”.
ودعا تكالة، في رسالة وجهها إلى المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، إلى اعتبار ما صدر عن البرلمان من قوانين انتخابية مخالفا للتعديل الدستوري الثالث عشر، ومشوبا بعيوب وأخطاء تنحدر به إلى درجة الانعدام، متهما البرلمان أيضا بتجاوز قواعد إدارة التوافق والاختلاف.
وتابع تكالة أن مهمة اللجنة المشتركة 6+6 وقتية ومحددة في إجراء توافقات، لكنها لم تتقيد بمهامها، فبعد أن سلمت نسخة بوزنيقة إلى مجلس النواب، قبلت بإجراء ما طلبه من تعديلات عليها، ولم تكن مخولة بذلك.
بدورها، بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أعلنت الانتهاء من مراجعة القوانين الانتخابية المنجزة من لجنة 6+6 وتشيد بجهودها في صياغة القوانين.
وقالت البعثة في بيان لها إن الخلاف في القوانين الانتخابية يدور حول النص على إلزامية جولة ثانية للانتخابات الرئاسية، وربط نجاحها بنجاح الانتخابات البرلمانية، ومسألة تشكيل حكومة موحدة.
وأضافت البعثة أن القوانين المحدثة تشكل أساسًا للعمل لإجراء الانتخابات وستتطلب التزام جميع الأطراف، وخاصة القادة الرئيسيين وبحسن نية.
ودعت البعثة الأممية أصحاب المصلحة الرئيسيين إلى المشاركة في حوار بناء لمعالجة هذه القضايا التي طال أمدها مرة واحدة وإلى الأبد.
كما حثت البعثة القادة السياسيين والجهات العسكرية والأمنية على إظهار قيادة مسؤولة وخاضعة للمساءلة تمكن جميع الليبيين من ممارسة حقوقهم السياسية.
ووفقا للنقاط الخلافية التي رأتها البعثة محل جدل، فإن قوانين اللجنة المعدلة الخاصة بانتخاب رئيس الدولة، تنص المادة “12” في الفصل الرابع من نظام انتخاب الرئيس، على أن تجرى الانتخابات من جولتين، ويتأهل الأعلى أصواتا بغض النظر عن نسبة كل مترشح إلى الجولة الثانية.
كما تجرى انتخابات مجلس الشيوخ مع الجولة الأولى من الرئاسة، والبرلمانية مع الجولة الثانية، وفي حال تعذر قيام الانتخابات الرئاسية لأي سبب كان، تعتبر كل الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية لرئيس الدولة ومجلس الأمة كأن لم تكن.
وعن مسألة تشكيل حكومة موحدة تنص المادة الـ86 من الأحكام الختامية في قانون انتخاب الرئيس، على إجراء الانتخابات في ظل حكومة جديدة، تضمن نزاهة العملية الانتخابية، ولا يحق لرئيسها وأعضائها الترشح للانتخابات.
كما تنص المادة الـ87 من القانون أن تتخذ الحكومة الجديدة كافة الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية وتأمينها وتوفير التغطية المالية اللازمة لإجرائها بناء على الميزانية المقترحة من مفوضية الانتخابات.
في السياق، أعلن رئيس مفوضية الانتخابات عماد السايح تسلمهم قانوني انتخاب رئيس الدولة ومجلس الأمة من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
وأبدت المفوضية جاهزيتها فنياً لتنفيذ القوانين الانتخابية، مشيرة إلى أنها لن تتدخل في التجاذبات السياسية الدائرة.
كما دعت المفوضية الأطراف السياسية إلى التوافق لإنجاز الاستحقاق الانتخابي التي وصفته بـ”التاريخي والمصيري”.
في سياق ذي صلة، أعلن التجمع الوطني للأحزاب الليبية في بيان له رفضه تدخلات المبعوث الأممي عبد الله باتيلي بشأن القوانين الانتخابية التي أنجزتها اللجنة المشتركة 6+6
وأفاد طلب التجمع الوطني للأحزاب الليبية بأن طلب التعديلات الصادرة بشكل دستوري يعد تجاوزا لدور وساطة البعثة وتدخلا في الشأن الليبي وتعديا على الملكية الليبية للحل السياسي.
ليبقى المشهد معلقا إلى إشعار آخر وسط مناكفات سياسية حادة تطيل أمد الأزمة والأجسام السياسية مع استشراف استحقاق انتخابي لم تكتب له شهادة الميلاد رغم المخاض العسير بين غرف الاجتماعات المطولة.
مناقشة حول هذا post