أصدر المركز الليبي للدارسات الأمنية والعسكرية قراءة تحليلية لتقرير اللجنة الاستشارية بشأن ” القوانين الانتخابية بين الخلاف السياسي والمعالجة القانونية”.
وأفاد المصدر البحثي بأنه ضمن مساعيها لإحياء المسار السياسي المتعثر في ليبيا، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بتاريخ 4 فبراير 2025، عن تأسيس لجنة استشارية مكونة من عشرين خبيرًا ليبيًا في مجالات القانون والدستور والنظم الانتخابية. وتهدف هذه اللجنة إلى بلورة رؤى واقعية وتصورات عملية لمعالجة الإشكاليات القانونية والسياسية التي تعيق تنظيم الانتخابات الوطنية.
ويأتي هذا التطور في سياق خطة شاملة أطلقتها البعثة الأممية خلال إحاطتها إلى مجلس الأمن في 16 ديسمبر 2024، والتي تسعى من خلالها إلى تجاوز حالة الشلل المؤسسي والانقسام السياسي الذي طال أمده، من خلال مقاربة تجمع بين إيجاد حلول عاجلة وتأسيس قاعدة صلبة لمعالجة الأسباب البنيوية للصراع الليبي. وقد أوكلت إلى اللجنة مهمة تقديم بدائل قانونية وفنية قابلة للتنفيذ، ترتكز على توافق سياسي، بغية تيسير تنظيم الانتخابات، إلى جانب تقديم تصور حول الضمانات وآليات التوافق على تشكيل حكومة جديدة قادرة على قيادة المرحلة المقبلة.
ولفت المركز البحثي إلى أن اللجنة لا تملك صلاحيات تقريرية أو تنفيذية، بل تؤدي دورًا استشاريًا محددًا يتمثل في تزويد البعثة الأممية بمقترحات مدروسة يمكن البناء عليها في المرحلة التالية من العملية السياسية، بما يعزز فرص نجاحها واستدامتها.
وقامت اللجنة الاستشارية بإجراء مراجعة شاملة للتعديل الدستوري الثالث عشر إضافة إلى القانون رقم 27 لسنة 2023 بشأن انتخاب مجلس الأمة، والقانون 28 لسنة 2023 المتعلق بانتخاب رئيس الدولة، وهدفت هذه المراجعة إلى تقييم مدى قدرة هذه النصوص على توفير إطار قانوني صلب يمكن من إجراء انتخابات نزيهة وشاملة، مع تحديد النقاط الإيجابية التي يمكن البناء عليها والسلبيات التي تحتاج إلى معالجة لضمان سلامة العملية الانتخابية، باعتبار أن العملية الانتخابية في ليبيا لا تعاني فقط من نقص في النصوص القانونية أو وجود ثغرات تشريعية بل من إشكالات أعمق تتعلق ببينة الدولة والمؤسسات، وهو ما يتطلب معالجة متكاملة تشمل البعدين القانوني والمؤسسي لضمان انتخابات شرعية ومقبولة على الصعيدين المحلي والدولي.
كما تواجه العملية الانتخابية في ليبيا جملة من التحديات العميقة والمتداخلة ساهمت بشكل مباشر في تعطيل المسار نحو انتخابات حرة وشاملة، وتتركز أبرز الإشكاليات في محورين رئيسين:
أولا: الخلافات حول التعديل الدستوري الثالث عشر
ثانيا: الجدل المتعلق بالقوانين الانتخابية ويعد هذان المحوران مظلة لمجموعة من المبادئ والمواد الخلافية التي انعكست سلبا على التوافق السياسي وأسهمت في إطالة أمد المرحلة الانتقالية.
هناك العديد من التحديات البنيوية التي تواجه العملية الانتخابية، وهذه التحديات ليست فقط تقنيا أو إجرائيا، بل ترتبط بجذور سياسية ومؤسسية عميقة، فغياب التوافق على تشكيل مجلس المفوضية يوضح مدى تأثير الانقسام على مؤسسات يفترض أن تكون مستقلة، ما يهدد شرعية العملية الانتخابية برمتها، كما أن ربط التمويل بالمزاج السياسي يضعف من قدرة المفوضية على التخطيط والتنفيذ ويجعلها عرضة للابتزاز والتعطيل.
أما الأمن الانتخابي، فلم يطرح كمسألة ميدانية فقط بل كوسيلة قد توظف سياسيا لتعطيل الانتخابات، وهو ما يكشف عن أزمة ثقة عميقة بين الأطراف الفاعلة، وبهذا فإن مجمل هذه النقاط تشير إلى أن الانتخابات لا يمكن أن تجرى بشكل نزيه وفعال دون معالجة الإطار السياسي والمؤسسي الحاكم لها.
فيما تشير الضمانات المقترحة إلى إدراك اللجنة العميق لكون الانتخابات في ليبيا ليست مجرد إجراء ديمقراطي بل عملية سياسية مركبة تحتاج إلى توافقات واضحة وملزمة، فمبدأ ربط الحكومة بمهام محددة وجدول زمني يعكس رغبة في كبح تمديد المراحل الانتقالية ، بينما تظهر الدعوة إلى ميثاق شرف وآلية تحكيم وطنية إدراكا لغياب الثقة بين الأطراف السياسية، وتعكس هذه الضمانات الحاجة إلى خلق بيئة سياسية وأمنية متوازنة تحمي العملية السياسية من التوظيف السياسي أو العبث المؤسسي مما يجعل من الانتخابات نقطة انطلاق حقيقة نحو الاستقرار لا مجرد محطة شكلية ضمن أزمة ممتدة.
بعد مراجعة دقيقة وموسعة لمختلف السيناريوهات المحتملة، رأت اللجنة الاستشارية أن هناك حاجة ملحة لطرح مجموعة من البدائل العملية التي من شأنها أن تشكل خارطة طريق واضحة نحو مرحلة انتقالية مستقرة، تمهد الطريق لإجراء انتخابات حرة وشاملة
وقد شددت اللجنة على أن نجاح أي مسار مقترح، لابد أن يبنى على قاعدة من التفاهم السياسي الواسع بين الأطراف الليبية، بما يضمن التنفيذ الفعلي للاستحقاقات الدستورية والانتخابية، ويحول دون حدوث أي انقطاع أو تعطيل في مسار العملية السياسية.
في هذا السياق، ترى اللجنة أن المضي قدما نحو أي تسوية واقعية لا يمكن أن يتم إلا في ظل توافر ثلاث ركائز تعد شروطا محورية لإنجاح المرحلة المقبلة.
1: إعادة ضبط الإطار القانوني للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات
2: إصلاح الإطار الدستوري والقانوني الضابط للعملية الانتخابية
3 تشكيل حكومة تنفيذية موحدة تتمتع بشرعية توافقية بين مختلف الأطراف.
تواجه ليبيا في هذه المرحلة الحرجة تحديا معقدا يتمثل في رسم الطريق الأنسب نحو إنهاء المرحلة الانتقالية منذ أكثر من عقد، ومع استمرار الانقسام السياسي وتعدد الأجسام التشريعية والتنفيذية يصبح تحديد تسلسل الخطوات السياسية والدستورية أمرا مصيريا، حيث استعرض المركز أربعة سيناريوهات تبرز تعقيدات المرحلة وتشير إلى المسار الأكثر واقعية للتطبيق.
1 انتخابات رئاسية وتشريعية أولا ثم اعتماد الدستور
2 انتخاب مجلس تشريعي أولا يتولى إعداد الدستور
3 اعتماد الدستور أولا ثم الذهاب إلى الانتخابات
4 مسار تأسيسي شامل من خلال حوار وطني جديد
5 السيناريو المرجح والأكثر واقعية:
خيار هجين يقوم على انتخاب مجلس تشريعي ضمن إطار دستوري مؤقت، وفي ضوء ماسبق يبدو أن السيناريو الثاني بصيغته المعدلة ” الهجينة” هو الأكثر قابلية للتنفيذ في السياق الليبي، ويعد السيناريو الهجين القائم على انتخاب مجلس تشريعي ضمن إطار دستوري مؤقت، هو الخيار الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق في السياق الراهن.
ويقوم هذا السيناريو على تنظيم انتخابات برلمانية استنادا إلى قاعدة دستورية مؤقتة يتم التوافق عليها مسبقا سواء عبر تعديل القاعدة المعمول بها أو من خلال ترتيبات قانونية انتقالية.
مناقشة حول هذا post