لم تتوقف ظاهرة الاعتداء على المحاكم واستهداف القضاة والمحامين عبر الخطف والاغتيال منذ مرحلة ما بعد ثورة فبراير وحتى اليوم وفق ما وثقه رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان غير الحكومية ”أحمد عبد الحكيم حمزة”
وأكد حمزة على رصد حوادث اغتيال محام و3 قضاة، منذ عام 2013 وحتى نهاية ديسمبر 2021، من بينهم المدعي العام العسكري للمنطقة الشرقية، العقيد “يوسف علي الأصيفر”، الذي اغتيل في 29 أغسطس 2013
كما استعرض حوادث مقتل أحد أعضاء الشرطة القضائية في تفجير وقع بمحكمة جنوب بنغازي الابتدائية في السادس من يناير 2014، كما اختطف 7 قضاة، من بينهم “ناصر الدرسي” القاضي في محكمة طبرق الابتدائية الذي اعتقل من قبل إدارة مكافحة الإرهاب التابعة لـ “حفتر”، في 23 فبراير 2017
إخضاع القضاء لسيطرة المليشيات
لا يتوقف استهداف القضاء على ما يجري بالمنطقة الشرقية الخاضعة لسيطرة خليفة حفتر إذ يتكرر الأمر غربا عبر قوى تحمل شعاري وزارتي الداخلية والدفاع، كما يقول العميد النائب السابق لرئيس جهاز الشرطة القضائية “خليل الأسود” خلال الفترة بين 2012 و2014
عمليات الاستهداف تعددت ومنها اقتحام مسلحين لإحدى محاكم طرابلس، نهاية عام 2015، حسب رواية أحد القضاة والذي اقترب منه مسلح أثناء تنقله في ممرات المحكمة، وأشهر مسدسه في وجهه واقتاده إلى سيارة في موقف المحكمة
ويقول القاضي لـ العربي الجديد: “طلبت منه توضيح سبب تهديدي واقتيادي منه ومن زملائه، فأبلغوني بأني مطلوب لجهة أمنية، وعند وصولي يمكنني معرفة السبب، لكنني اكتشفت أن الأمر له علاقة بقضية أعمل عليها، ولدى وصولي إلى مقر تابع لمجموعة مسلحة في إحدى ضواحي طرابلس احتجزت لمدة ثمانية أيام ريثما تمكن أفراد المليشيا من تسوية قضيتهم المتعلقة بابتزاز رئيس إحدى المؤسسات المالية
وأضاف القاضي أن رئيس تلك المؤسسة سحب شكواه من المحكمة بعد تدخلت أسرة القاضي التي أبلغها الخاطفون بأنه محتجز لديهم ويتوجب على أفرادها الضغط عليه من أجل سحب شكواه.
التلاعب بمنظومة العدالة
الموقع ذكر في تقريره أنه قد جرى إقصاء موظفي وأفراد الشرطة والجيش التابعين لنظام القذافي بعد ثورة فبراير 2011 بسبب انعدام ثقة الثوار في هذه الأجهزة، ولم يكن أمام السلطات الوليدة التي تواجه تحدي بناء نظام جديد، سوى شرعنة كتائب الثوار ضمن ما عرف بإنشاء اللجنة الأمنية العليا المؤقتة وتحديد اختصاصها وهيكلها التنظيمي، والتي انضوت تحتها أغلب الكتائب المسلحة، ومُنحت بموجب قرار الإنشاء رقم 388 لسنة 2011 سلطات واسعة، من بينها مهام لها علاقة بالتحقيق والتوقيف، ومن هنا بدأت عملية التلاعب بمنظومة العدالة
القضاء العسكري
يقول الموقع أن أعضاء مجلس النواب رسخوا سيطرة القضاء العسكري عبر القانون رقم 4/2017 الذي أرسى الولاية القضائية للمحاكم العسكرية على المدنيين المتهمين بـ “الإرهاب والجرائم المرتكبة في المناطق العسكرية”، وهو ما أوضحه تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في 26 إبريل 2021 بعنوان “ليبيا: المحاكم العسكرية تصدر أحكاماً على مئات المدنيين في محاكمات صورية يشوبها التعذيب”.
ويضيف الموقع أن القانون رقم 4 يحمي مرتكبي الجرائم في صفوف قوات حفتر، نظرا لأن القضاء العسكري التابع له يعد الجهة المفترض مقاضاتهم أمامه، بينما همش المحاكم والقضاة المدنيين، وبالتالي صارت الكفة راجحة للعسكريين على حساب المدنيين.
إفلات من العقاب في ليبيا
وبحسب الموقع فقد أدانت المحاكم العسكرية مئات المدنيين في شرق ليبيا عبر محاكمات عسكرية سرية بالغة الجور تهدف إلى معاقبة الخصوم والنقاد الفعليين أو المفترضين لقوات خليفة حفتر والجماعات المسلحة التابعة لها” بحسب توثيق منظمة العفو الدولية، والتي أكدت على أنه “حُكم على 22 شخصاً على الأقل بالإعدام وزُج بالمئات غيرهم في السجون بين عامي 2018 و2021
ويشير “العربي الجديد” نقلا عن مصادره أن المدعون العامون والقضاة العسكريون يفتقرون على حد سواء إلى الاستقلالية والحياد، لأنهم ينتسبون إلى قوات حفتر أو الجماعات المسلحة المتحالفة معه”
ويسرد الموقع الوضع القضائي في طرابلس نقلا عن النائب السابق “الهادي الوكواك ” رئيس مكتب المتابعة بجهاز الشرطة القضائية فرع طرابلس والموظف الحالي في وحدة تحسين وتطوير السجون بوزارة العدل في حكومة الدبيبة الذي يؤكد استمرار ظاهرة السجون التي لا تخضع لسيطرة الدولة ويديرها مسلحون يتولون مهمة التوقيف والتحقيق، مثل مليشيا كتيبة طارق بن زياد، التي تمتلك سجونا في قرنادة بمدينة البيضاء، شرق ليبيا، والكويفية وسيدي فرج في بنغازي، وسجن مخيم السعداوي بطرابلس، مشيرا إلى وقوع مختلف الانتهاكات في تلك الأماكن الخارجة عن سيطرة الدولة.
ملفات جنائية حبيسة الأدراج
قال موقع العربي الجديد أن الفوضى التي ضربت منظومة الشرطة القضائية والنيابات والمحاكم عقب سقوط نظام القذافي، تسبب في تراجع قدرتها على ممارسة دورها وتراكم الملفات الجنائية دون البت فيها
وبحسب العربي الجديد فقد بلغ عدد الملفات الجنائية التي أبلغت بها النيابات في مختلف أنحاء البلاد ولم تنته التحقيقات فيها من أجل إحالة الدعاوى إلى المحاكم المختصة بلغت 2046 ملفا خلال الفترة من 2012 وحتى نهاية 2021، وذلك بسبب اعتذار وكلاء النيابات عن قبول النظر فيها حيث تقتصر مهام المحاكم على النظر في القضايا المدنية والإدارية حاليا بينما القضايا الجنائية
محتجزون دون محاكمة ومنظومة قضائية خائفة
وفق توثيق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الصادر في الخامس من مايو 2020، فإن “8800 شخص رهن الاحتجاز، 60% منهم في انتظار المحاكمة”
كما سجل ترك أغلب أفراد الشرطة القضائية عملهم خوفا من الانتقام كونهم جزءاً من أجهزة الأمن السابقة، وحتى من بقي منهم مارسوا عملهم دون سلاح، ما جعلهم خاضعين لإرادة المجموعات المسلحة