كتب عضو ملتقى الحوار السياسي عبد الرزاق العرادي مقال رأي تحت عنوان “طرابلس المستباحة.. إلى متى؟”: بداية اسمحوا لي بخرق إجازتي التي أعلنت عنها.. لأتنفس قليلا حتى لا أنفجر.. ليس لي مدينة أخرى أحبها وإن كانت كل مدن ليبي وقراها محببة إلى نفسي.. لكن هذه هي المدينة التي ولدت فيها.. وقدرها أن الليبيين جعلوها عاصمة لهم.. هي عنوان هذا البلد المسمى ليبيا.. طرابلس استبيحت منذ ذلك اليوم الأسود الذي تم فيه الانقلاب على الملك إدريس رحمه الله.. لكنها اليوم زادت وصار التخلف فيها بلا قاع”.
وأضاف العرادي: “لن أتحدث عن أشاوس المليشيات المنحرفين الذين تعاملوا معها وكأنها سبية من سباياهم، لن أتحدث عن الفساد والإفساد والمفسدين، ولن أتحدث عن النهب والقطط السمان والضعاف، هؤلاء تمحوهم جرة قلم من وكيل نيابة ناصح وأمين، تدخلهم غياهب السجون وينالون جزاءهم العادل”.
وتابع: “أنا أبكي على طرابلس التي استبيح فيها كل شيء.. كل شيء.. والدولة وحكومتها في سبات عميق.. حتى إنجازات الحكومة الأخيرة سرقت منها في لمحة بصر، لا توجد أي مناطق سكنية هادئة وهانئة في طرابلس كما كانت، كلها تتخللها المحال التجارية غير المصرح بها.. لأنه فرض على كل الليبيين المجيء إلى طرابلس ليعيشوا، في طرابلس فقط الحياة، وقتلوا باقي مدن ليبيا وقراها”.
واستدرك قائلا: “استباحوا المناطق السكنية الهادئة لأن الدولة غابت؛ لا تحتاج إلى رخصة بناء ولا إلى رخصة للمحل التجاري؛ ولا لموافقة بلدية أو كهرباء و لا …إلخ، ولا إلى قواعد تلزمك بضرورة وجود مواقف للسيارات لدكانك حتى لا تتعدى على الفضاء العام.. “انقب وافتح دكان وإذا احتجت أي رخصة فسهل جدا.. عروض الرشى والزقوم تعرض صباحا و مساء”.
وعن المناطق الريفية قال: “استباحوا الأراضي الزراعية وانتشر البناء العشوائي .. غاب التخطيط .. عُبث بالأرض بشكل مقرف .. كانت لدينا زنقة “زعطوط” واحدة فأصبحت طرابلس كلها زنق زعطوط .. ضربوا بالتصنيف وبرخص البناء عرض الحائط .. أضافوا أدوارا أعلى على مبان منحت أدوارا أقل .. وفي يوم من الأيام يسقط المبنى، على من فيه .. الدولة غائبة .. وإذا حضرت فيمكن شراء ذمة الحاضر عبر وسيط شر”.
وعن سوء الأوضاع المرورية علق العرادي: “استباحوا الإشارات المرورية بشكل مخز ومخيف وأصبح الوقوف في الإشارة الضوئية الحمراء خطيرا ….. وإذا فعلت تنمر عليك مخترقوها .. أصبحوا هم القدوة التي يجب أن تطاع .. سيارات بدون لوحات .. سيارات يقودها أطفال .. السياقة في الاتجاه المعاكس .. ركن السيارات في الاتجاه المعاكس أيضا .. يقفل، صاحبنا هذا، الطريق عندما يركن ويقفلها عندما يغادر”.
وأضاف في ذات السياق: “تخيل رأيت سيدة تقود سيارة صغيرة محمولة بأطفال مدارس يفوق عددهم العدد المسموح به .. قدرت عددهم بعشرين طفلا، وأكاد أقسم على هذا العدد .. لك أن تقبل مني نصفه.. أليست هذه جريمة متكاملة الأركان .. تخيل أن تدخل هذه السيارة في حادث أو يشب حريق في السيارة لا قدر الله .. ستكون كارثة كبيرة .. هذه ليست حالة شاذة ولكن أكاد أجزم أن كل السيارات التي تنقل الأطفال تتجاوز العدد المسموح به .. بلا رقيب ولا حسيب .. سواء كان المرور أو إدارة المدرسة أو أولياء أمور هؤلاء الأطفال”.
وذكر العرادي أن الوقوف بالمخالفة بات في أي مكان.. حتى أولئك الذين يذهبون إلى المساجد متأخرين يغلقون الطرق لأنهم حريصون على الصلاة، مضيفا: “الله أكبر.. لو كنت حريصا عليها لبكرت.. ولو أنك قطفت جزءا من ثمارها لما تعديت على حق الناس في الطريق”.
وحول انتشار الوساطة والمحسوبية، قال: “لا تستطيع إنجاز أي عمل بدون واسطة.. انتشر الفساد بشكل مخيف .. وهؤلاء المساكين يعتقدونه شطارة .. تخيل لو أنك تريد إجراء رسميا بدون واسطة.. يعتذرون إليك بشتى أنواع الاعتذار بأنها مستحيلة .. وبعد أن تقفل راجعا إلى بيتك .. تجد مرسولا أمام البيت أو في مكتبك ينتظرك ليزف إليك نبأ أنه يستطيع إنجاز تلك المهمة بمقابل .. يا الله كيف علم؟ ومن أرسله؟”.
وتابع: “طبق كل ما ذكرت على أحد الإنجازات المهمة التي تذكر فتشكر.. طريق الفرناج وادي الربيع والتي فتحت فيها عدة مراحل.. فتحوها من هنا وسرقها المخالفون من هنا.. فتحوا محال جديدة بالمخالفة بدون رخص .. حتى لو كانت بترخيص ففي الغالب خرج بالرشوة والمحسوبية .. بدون أي اشتراطات لمواقف سيارات تمنع الاعتداء على الفضاء العام مثلا .. سرقوا الفضاء العام فضيعوا الإنجاز.. حتى المرور الموجود هناك قليل العدد والإمكانيات وضعيف الأداء.. صارت الطريق زحمة من جديد وستزيد أكثر بحيث تصبح لا تطاق بعد وقت قريب”.
ويرى أن عدد الذين يبحثون عن أرزاقهم كبير جدا .. “ضيقوا عليهم في مدنهم وقراهم وأجبروهم على المجيء إلى طرابلس .. وطرابلس ضاقت بما رحبت .. لا طرق ولا بنية تحتية .. المدارس لا تكفي .. الجامعات مكتظة.. المستشفيات العامة والخاصة قليلة ودون المستوى”.
واختتم الكاتب السياسي مقاله بقوله: “نحتاج مدنا جديدة حديثة .. نحتاج مجمعات تجارية ضخمة .. بحيث تقفل المحال داخل المناطق السكنية .. نحتاج مدارس و مستشفيات .. نحتاج تخيططا .. نحتاج “قوى متحركة” مرورية وأمنية مجهزة لا يمكن شراء ذمم أفرادها .. تضرب المخالف بيد من حديد حتى يدفع مخالفته ويمتنع عن المخالفة مرة أخرى”.
“أحلم برجوع ليبيا إلى الوراء وليس إلى الأمام .. أحلم بها وهي في الواحد والثلاثين من شهر أغسطس 1969 .. والله لو حينها اليوم لقدمت نفسي فداء لأمنع ذلك التجريف الذي خلق هذه الفوضى الخلّاقة.. والله المستعان”.
مناقشة حول هذا post