أطلق مصرف ليبيا المركزي خطة إنقاذ عاجلة لتجاوز الأزمات التي أربكت التوازنات الاقتصادية في ظل في حلقة مفقودة وسط سياسية نقدية غير مستدامة، ما يؤدي إلى إرساء مرحلة تجاوز الأزمة المالية التي تعرفها البلاد منذ سنوات.
والاثنين الماضي، كشف مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي عن جملة من الإجراءات أبرزها تمديد قبول ورقة الخمسين دينارا حتى نهاية شهر أبريل 2025، على أن يكون آخر موعد لقبولها بالمصرف المركزي 8 مايو 2025.
ووافق مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي في أول اجتماع لمجلس الإدارة، على تفعيل نظام المقاصة الموحد بين فرعي المصرف في طرابلس وبنغازي لتمكين المصارف من استخدام أرصدتها بالكامل.
وهو الاجتماع هو الأول الذي يعقده المجلس بكامل أعضائه منذ 10 سنوات، حيث تضمنت الخطة حزمة من المبادرات لتطوير أعمال المصرف في تنظيم السياسة النقدية وسعر الصرف والأساليب الرقابية الفعالة وتفعيل دور لجنة السياسة النقدية بالمصرف.
كما قرر المجلس منح الموافقة النهائية لشركات ومكاتب الصرافة التي حصلت على موافقة مبدئية، شريطة تسوية أوضاعها وفقًا لقرار مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي رقم (27) لسنة 2013.
واعتمد مجلس الإدارة خطة إستراتيجية قصيرة المدى (90 يومًا) لتعزيز دور المصرف في تنظيم السياسة النقدية، وسياسة سعر الصرف، والرقابة الفعالة، وتفعيل لجنة السياسة النقدية، كما قرر تخويل محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسريع وتسهيل دفع المرتبات.
ووافق المجلس على مشروع شهادات إيداع المضاربة المطلقة وفقاً لمبادئ الصيرفة الإسلامية، وحسابات الاستثمار لتشجيع المواطنين على إيداع مدخراتهم في المصارف، كما اعتمد مجلس الإدارة دليل تأسيس شركات التأجير التمويلي، واللائحة التنظيمية لعقود التأجير التمويلي، ونموذج عملها، لبدء منح تراخيص جديدة.
ووافق مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي على اعتماد دليل حوكمة القطاع المصرفي الليبي لتلبية المعايير الدولية، بالإضافة إلى الاستمرار في اتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة لدعم قيمة الدينار الليبي في الوقت الذي تمر به البلاد بأوضاع اقتصادية صعبة.
وبخصوص المرتبات، أكد محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى صرف مرتبات شهر أكتوبر قبل يوم الخميس القادم.
وأكد محافظ المركزي لرئيس الحكومة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة على ضرورة انتظام صرف المرتبات والمنح في مواعيدها، وعلى أهمية التنسيق بين المصرف المركزي والحكومة بهدف خدمة المواطن ودعم الاقتصاد الوطني.
وأكد الدبيبة خلال اللقاء على ضرورة توحيد الجهود الوطنية بهدف تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيزه، وخلق برامج مشتركة لدعم القطاع الخاص الليبي، وذلك وفق أسس وثوابت أساسية.
كما شدد الدبيبة على رفع مستوى التنسيق بين المصرف المركزي ووزارة الاقتصاد والتجارة فيما يتعلق بالميزانية الاستيرادية، وضبطها وفق احتياجات السوق المحلي، إضافة إلى استمرار التنسيق مع وزارة المالية لضبط وتنظيم الإنفاق الحكومي في كافة أبوابه.
كما تم الاتفاق على أهمية الاستمرار في الشفافية والإفصاح، وتنفيذ كافة الإجراءات الحكومية بمعايير عالية من الشفافية.
وتطرق الاجتماع إلى الاستعدادات لشهر رمضان، من خلال توفير السلع الأساسية بأسعار وكميات مناسبة، وصرف المرتبات والمنح اللازمة لدعم المواطنين، والعمل المشترك على توفير السيولة النقدية، بهدف حل إحدى الإشكاليات التي عانى منها المواطن لسنوات عديدة.
واستعرض المحافظ عدداً من المشاريع المزمع تنفيذها خلال عام 2025، والتي تساهم في تسهيل الخدمات المصرفية للمواطنين والقطاع الخاص الليبي، مؤكداً على ضرورة التنسيق مع الحكومة في بعض هذه المشاريع.
من جهته، ترأس رئيس الحكومة في بنغازي أسامة حماد اجتماعا موسعا بمقر مصرف ليبيا المركزي بنغازي بحضور نائب محافظ مصرف ليبيا المركزي مرعي البرعصي لمنح الإذن بصرف مرتبات العاملين بالقطاع العام بشكل عاجل وعدم السماح بتأخيرها، بالإضافة إلى بحث عدد من المسائل المتعلقة بتنفيذ قانون الميزانية العامة للعام 2024 الصادر عن مجلس النواب، ومناقشة الحكم الصادر عن محكمة استئناف بنغازي منذ فترة، الذي يقضي بوقف نفاذ القرار رقم 828 لسنة 2023 الصادر عن “حكومة الوحدة منتهية الولاية”، واستعراض العواقب القانونية المترتبة على إصرار إدارة المصرف المركزي على الصرف بناء على هذا القرار ، امتناعًا عن تنفيذ هذا الحكم و تجاوزًا لقانون الميزانية العامة، ومناقشة المقترحات والنقاط المتعلقة بميزانية عام 2025.
وخلال الاجتماع، تم اعطاء الإذن بصرف مرتبات العاملين بالقطاع العام وعدم السماح بتأخيرها لأي سبب كان لما في ذلك من تأثير في حياة المواطنين.
في سياق متصل، بحث رئيس هيئة الرّقابة الإدارية عبد الله قادربوه مع مدير عام المصرف الليبيّ الخارجيّ أسباب تأخّر صرف مرتبات موظفي الدّولة لشهر أكتوبر، المتمثّلة في عدم كفاية الإيرادات المُحقّقة طرف المؤسّسة الوطنيّة للنّفط المحالة إلى مصرف ليبيا المركزي في تغطية مصروفات المرتبات.
كما ناقش الطرفان تداعيات استحداثات الزّيادة الماليّة المقرّرة لمرتبات بعض القطاعات العامّة، وتأخّر إحالة الإيرادات النّفطيّة وفقا لاتفاق عام 2020م المبرم بين إدارتي المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزيّ، خلافا للسيّاق القانونيّ القاضي بإحالة هذه العوائد خلال 48 ساعة إلى الحساب السّيادي للدولة، ومِن ثمّ إحالتها إلى حساب وزارة الماليّة بالمصرف المركزيّ.
في السياق، شدّد قادربوه على ضرورة اتّخاذ الإجراءات العاجلة لصرف مرتّبات الموظّفين من خلال تنفيذ الاقتراح المقدّم مِن إدارة المصرف المركزيّ بمنح سلفة مؤقّتة للحكومة بقيمة مرتّبات شهر (أكتوبر) عبر مطالبة إداريّة مِن قبل وزارة الماليّة بالحكومة في طرابلس وقيام الأخيرة بتعجيل إجراءات مخاطبة المركزيّ، وتسوية السّلفة المذكورة بين الجهتين حال ورود الإيرادات النّفطيّة مباشرة مِن قِبَل مؤسسة النّفط.
وضرورة إحالة الإيرادات في آجالها المحدّدة قانوناً دون تعدٍّ على صريح القانون بأيّ اتّفاقات بين مؤسسات الدّولة وفقا لما سلف؛ خدمة للمصلحة العامّة، وعدم المساس بالدّخل الماليّ الشّهريّ للمواطنين الذي يعدّ التمويل الوحيد لعدد كبير منهم، خاصّة ما نعانيه من ارتفاع الأسعار ومجابهة تحدّيات الحياة اليوميّة ومصاريف الدّراسة وغيرها.
كما ناقش الاجتماع تقارير أداء المؤسّسة الوطنيّة للنّفط، وخطة زيادة الإنتاج، والمصاريف التشغيليّة للحقول النّفطيّة، والصعوبات والعراقيل المانعة مِن مضاعفة الإنتاج، ووضع حلول جذريّة لها مِن خلال تبنّي رئاسة الهيئة معالجة كافّة العَقبات المواجِهة للمؤسّسة في تحقيق خطّة رفع معدّل الأداء والتّشغيل، وإعادة النّظر وتقييم نظام المبادلة النّفطيَة المتّبع بالمؤسّسة، دون الإخلال بأعمال الرّقابة المصاحِبة المفروضة على المؤسسة والجهات التّابعة لها مِن قِبَل الهيئة.
كما وجه رئيس الهيئة بضرورة تحمّل كافّة الجهات لمسؤولياتها الوطنيّة المنوطة بها في تحقيق الإيرادات الماليّة المختلفة للدّولة، وتدارك أيّ تعثّرات ماليّة مرتقبة نتيجة تأخّر أو تدنّي الإيرادات العامّة للدولة، ومنع حدوثها بمرتبات شهري (12،11) من العام الجاري والعام الماليّ المرتقَب 2025.
كما تضمّن الاجتماع مناقشة بعض القضايا المرفوعة حيال المصرف الليبي الخارجيّ بالخارج والأحكام الصادرة فيها، والنّظر في مساهمات المصرف بمصارف أجنبيَة أخرى، وإعادة تقويمها وتقييمها بما يحقّق مصلحة الدّولة في تحقيق أرباح وعوائد اقتصادية تُسهِم في بناء الاقتصاد الوطنيّ وزيادة فرص الاستثمارات الخارجيّة.
وفي ردود الفعل، قال رجل الأعمال حسني بي إن صدور القرارات العشرة دليل قاطع على تغيير جذري لإدارة المصرف المركزي من قبل المحافظ ونائب المحافظ وباقي أعضاء مجلس الإدارة، مما يشير إلى تغيير جذري في السياسات النقدية في ليبيا.
بدوره، قال الخبير المالي خالد الزنتوتي إنه على مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي أن يظل في حالة انعقاد دائم حتى يتم بلورة حزمة الإجراءات، وخاصة الحوكمة وسعر الصرف والائتمان المصرفي، والتنسيق مع السلطات التشريعية والتنفيذية لتمكين التطبيق العملي.
من جهته، أفاد الخبير الاقتصادي عطية الفيتوري بأنه إذا لم تعين لجنة متخصصة في السياسات المالية والنقدية والاقتصادية من مختصين في الاقتصاد، كما كان يعمل المركزي في الماضي، ستظل القرارات نظرية فقط لأن جل أعضاء المجلس ليسوا اقتصاديين بل مختصون في مجال المحاسبة.
ويرى مراقبون أن خطة المصرف المركزي تهدف إلى حلحلة الأزمة المالية عبر توحيد المواقف من جملة من الملفات الخلافية، ومن خلال السعي إلى فصل الجانب التقني المصرفي عن الجوانب السياسية
مناقشة حول هذا post