غياب واشنطن عن المشهد الليبي لاسيما الدبلوماسي، ترك الباب مشرعا للقوى الأوروبية والإقليمية على رأسها روسيا لتعزيز مصالحها ونفوذها، وهي الحالة المرهونة بفوز أحد المرشحين لانتخابات الرئاسة سواء الجمهوري دونالد ترامب الذي يمكن أن يُحدث تغييراً في السياسة الأمريكية، مقابل الديمقراطية كامالا هاريس المرجح أن تسير على خطى نهج الرئيس جو بايدن.
هذا الفراغ الذي خلفه انسحابها ظل محل انتقاد كبار المسؤولين والمشرعين الأمريكيين في الكونغرس، رغم حديث البيت الأبيض المتكرر عن أولويات تحقيق الاستقرار في ليبيا لضمان أمن الطاقة وتدفق النفط وتحييد تأثير روسيا المتزايد في المنطقة وضمان عدم اندلاع حرب شاملة بين الأطراف الليبية تأتي على الأخضر واليابس لذلك نرى أن واشنطن تتدخل وتحاور جميع الأطراف حين تجد أن الوضع هش سواء على المستوى السياسي أو الاقتتصادي آخرها أزمتي النفط والمصرف المركزي.
وفي إخفاق مشهود لإدارة بايدن فإنها فشلت في تعيين المرشحة لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى ليبيا جينيفير جافيتو، بعدما طلبت الشهر الماضي من الرئيس الأمريكي سحب ترشيحها سفيرة بعد 32 شهراً من طلب وزارة الخارجية منها بالنظر في المنصب وبدء عملية الفحص، و9 أشهر منذ تلقي مجلس الشيوخ ترشيحها.
وقالت جافيتو إنه “لم يكن هناك سفير للولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا لمدة عامين؛ ما أفسح المجال لروسيا والصين اللتين سعتا بنشاط إلى استغلال غيابنا المتصور، مؤكدة إيمانها الشديد بالدبلوماسية كأفضل أداة لدينا لمواجهة مثل هذه التأثيرات الخبيثة”.
وخلال عهدة بايدن في مارس 2023 أطلقت الخطة الأمريكية العشرية التي تشمل ليبيا ودولاً أخرى مثل هايتي وموزمبيق وبابوا غينيا الجديدة ودول غرب إفريقيا الساحلية وهي بنين وكوت ديفوار وغانا وغينيا وتوغو، حيث تعمل الولايات المتحدة على تنفيذ هذه الإستراتيجية من خلال خطط مدتها 10 سنوات تم تطويرها مع مشاورات مكثفة مع الجهات المعنية في البلدان الشريكة ذات الأولوية.
ووُضعت ليبيا ضمن “قانون الهشاشة العالمي”، وهو مبادرة تتبناها مجموعة من الوكالات الحكومية، لتحقيق الاستقرار بالمناطق المتضررة من الصراع ومنع العنف على الصعيد العالمي، وإنشاء صناديق لدعم هذه الجهود، ووفق الخطة، فإن الولايات المتحدة توجه الجهود نحو هدف سياسي طويل الأجل يتمثل في أن ليبيا “تحكمها سلطة منتخبة ديمقراطياً وموحدة وممثلة ومعترف بها دولياً وقادرة على ضمان حقوق الإنسان وتقديم الخدمات العامة وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام”.
ويبقى التخوف الأمريكي من روسيا قائما وأكثر وضوحا، حيث حذر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في تقرير له من تصاعد الدور الروسي في المنطقة، متهما موسكو بتسليح الوكلاء المناهضين لأمريكا وتقويض الاستقرار في الشرق الأوسط.
وجاء في التقرير، أن روسيا “تستغل ضعف الولايات المتحدة وتوظف استراتيجية العمل المحدود لتمكين القوى المعادية لها في المنطقة، بدءا من الحوثيين في اليمن وصولا إلى حفتر في ليبيا.”
وأشار التقرير إلى أن قوى الغرب لم تفعل الكثير لردع موسكو في تحويلها ليبيا إلى ساحة معركة بالوكالة بين تركيا والإمارات العربية المتحدة وفرنسا ومصر، لافتا إلى أن روسيا “كانت دائما أقرب إلى حفتر” في علاقاتها مع الأطراف الليبية.
وبحسب محللين فإن إدارة بايدن لم تمتلك رؤية واضحة لحل نهائي للأزمة السياسية في ليبيا، بل اكتفت فقط بمساندة الإجراءات التي يعلن عنها المسؤولون الأمميون إلى ليبيا ، دون تحققها على أرض الواقع، لا سيما ما يتعلق بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ووفق محللين، فإن الإدارة الأميركية تولي اهتماما واضحا في ليبيا للقوى العسكرية والسياسية المسيطرة على الأرض، فهي تعتبر خليفة حفتر شريكا عسكريا، في حين ترى في حكومة طرابلس شريكا أمنيا وسياسيا واقتصاديا غرب البلاد.
ووفق مراقبين فإن ليبيا لن تكون أولوية في تعامل أي رئيس أمريكي قادم مع الأزمة الليبية، كون أن ملفات الشرق الأوسط والحرب على غزة ستحظى باهتمام كبير إضافة إلى الحد من توسع النفوذ الروسي في إفريقيا: ” مرتزقة فاغنر، الفيلق الروسي”، ناهيك عن الحرب الروسية الأوكرانية والصراع المتصاعد بين أمريكا والصين، زيارة إلى تنامي أدوار قوى متوسطة كلاعب رئيسي في المنطقة مثل تركيا.
مناقشة حول هذا post