بعد أزمة مصرف ليبيا المركزي وتبعات ذلك على إغلاق النفط وبعد التوصل إلى حلول شبه مؤقتة عبر تعيين محافظ مركزي ورفع القوة القاهرة عن الحقول والموانئ النفطية، يتجه المجلس الرئاسي ومجلس النواب نحو جولة جديدة من التصعيد المتبادل، إذ أعلن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الخميس الماضي، اتفاقه مع رئيس الحكومة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة “على تفعيل مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني”، في خطوة جديدة للدفع بها بصفتها جسماً رقابياً في المشهد، بعد خطوات سابقة لقيت معارضة حادة من قبل البرلمان.
وأصدر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي قرارا بإنشاء “المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني” لغرض تنفيذ الاستفتاءات والاستعلامات الوطنية، من الإعداد والتحضير إلى الإشراف على التصويت وفرز النتائج، بالإضافة إلى تسجيل المواطنين الراغبين في المشاركة في الاستفتاءات وفقا للقوانين الانتخابية وتوزيع مراكز الاستفتاء وفقا للدوائر الانتخابية المعتمدة.
ومنح القرار المفوضية سلطة اعتماد المراقبين المحليين والدوليين، وكذلك اعتماد الإعلاميين المحليين والدوليين لضمان التغطية الشاملة و الشفافية في العرض المباشر أو غير المباشر للعملية الانتخابية.
وبحسب القرار فإن المفوضية هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة، وتتخذ من طرابلس مقرا لها مع امكانية ممارسة مهامها في أي مدينة أخرى بموافقة رئيس المجلس الرئاسي. وتكون قراراتها علانية ولا يجوز التدخل في اختصاصها، كما سيكون لها فروع داخل ليبيا.
ووفقا للقرار فإن رئيس المجلس الرئاسي هو من يحدد الموضوعات التي تتطلب إجراء عملية الاستفتاء والموافقة على نتائجها، مع ضمان حياد المفوضية والتزامها بشفافية العملية التي تجرى تحت إشرافها.
وتصاعد الجدل في ليبيا بعد أداء مستشاري المحكمة الدستورية العليا اليمين القانونية أمام النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، مصباح دومة.
وسبق أن أقر مجلس النواب في ديسمبر 2022 قانوناً لإنشاء محكمة دستورية عليا في مدينة بنغازي بدلاً من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في طرابلس وفي يونيو 2023 صعّد من خطواته، وصوّت بالإجماع على اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية.
ومنذ ذلك الحين ظلت الأوضاع تراوح مكانها، إلى أن تم تفعيل قرار البرلمان بإنشاء المحكمة الدستورية العليا في مدينة بنغازي، الشهر الحالي، وهو ما أحدث ردود فعل معارضة لهذا القرار، لا سيما مع وجود أحكام قضائيّة صادرة ترفض هذا الإجراء، فضلاً عن أن المجلس الرئاسي عدّ مشروع القانون “تغييراً للنظام القضائي السائد في ليبيا”.
وسارعت السلطات القضائية شرق ليبيا بتفعيل القرار، وذلك بإعلان بلدية بنغازي، في 19 سبتمبر، افتتاح مقر المحكمة الدستورية العليا، بحضور عدد من أعضاء مجلس النواب وأعضاء المحكمة، ورؤساء المحاكم والنيابات والهيئات القضائية.
وفي خطوة زادت من ضبابية المشهد برمته، أعلن مجلس النواب أواخر الشهر الماضي تمرير قانون يقضي بإنشاء محكمة دستورية في مدينة بنغازي تضم 11 مستشاراً عضواً في هيئتها، بالإضافة إلى رئيس ونائب له.. خطوة أثارت اعتراضات واسعة من السلطة غرب ليبيا ومن حقوقيين وخبراء قانون، وعدت “موازية” للدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا القائمة في العاصمة طرابلس.
وفي رد من المجلس الرئاسي، دعا مجلس النواب إلى إعادة النظر في قانون المحكمة الدستورية العليا، وإلغاء قراراته الأحادية، والعودة إلى الحوار السياسي، معتبراً أن قرار النواب في هذا التوقيت “يعمق حالة الانسداد السياسي ويزيد من تعقيد المشهد”.
وأوضح الرئاسي أن القانون “يؤدي إلى تغير النظام القضائي الليبي السائد منذ الاستقلال من دون الاستناد إلى نص بالإعلان الدستوري”، مشدداً على أن “الدائرة الدستورية للمحكمة العليا تؤدي دورها بكل كفاءة، واستمرار عملها يوفر ضمانة حقيقية لاستقلال القضاء وحياديته، ويفي بالغرض المطلوب في هذه المرحلة، من دون الحاجة إلى إنشاء هيئة جديدة قد تكون عرضة للتأثيرات السياسية”.
وأضاف المجلس “يمنح القانون مجلس النواب سلطات واسعة تتعلق بتشكيل المحكمة واختيار أعضائها، ما يعزز من نفوذه على القضاء ويضعف من توازن السلطات في البلاد”، محذراً من أن الخطوة “تحد من فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة مبنية على التوافق”.
وفي أغطس الماضي، طالب مجلس النواب رئيس المجلس الرئاسي بسحب قراره القاضي بشأن إنشاء هيئة مستقلة للاستفتاء والاستعلام، عادّا ذلك خطوة خطيرة وغير مبررة.
واعتبر المجلس في بيان له القرار مخالفا للإعلان الدستوري مؤكداً بطلانه، داعيا جميع المؤسسات المعنية لعدم الاعتداد به أو العمل بما جاء فيه، لافتا إلى أن الرئاسي تجاوز صلاحياته المقررة باتفاق جنيف وتعداها إلى اختصاصات دستورية يحتاج الخوض فيها إلى توافق وطني.
كما اعتبر المجلس أن هذه الخطوة لا يمكن أن يقوم بها طرف بمفرده في ظل الظروف الانتقالية التي تمر بها البلاد، متحفظا في الوقت ذاته عن تجاوزه لمفوضية الانتخابات بإنشاء هيئات بذمة مالية مستقلة، مشيرا إلى أن المفوضية هي الوحيدة المخولة بأي مهام تتعلق بالانتخابات أو الاستفتاءات ولا مبرر لإنشاء مؤسسات موازية
مناقشة حول هذا post