تحل الاثنين، الذكرى الرابعة عشرة، لثورة 17 فبراير التي أطاحت بنظام معمر القذافي الذي جثم على صدور الليبيين أكثر من أربعة عقود سوداء، ومن تلك اللحظة الفارقة في تاريخ ليبيا المعاصر، وهم عازمون على بناء الدولة والمؤسسات وسيادة القانون، لكن الواقع لم يستقر على حال، وسط صراع حاد بين السلطات التشريعية والتنفيذية وخلاف الحكومات شرق البلاد وغربها وفشل إجراء الانتخابات.
لقد نجحت الثورة في إزاحة نظام القذافي بعد أكثر من أربعة عقود من الحكم الفردي، مما فتح الطريق أمام آمال بناء دولة حديثة قائمة على القانون والمؤسسات، حيث خرج الليبيون مطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية، لكن هذه التطلعات اصطدمت بتحديات جسيمة، منها الانقسامات السياسية والصراعات المسلحة.
منذ انتصار الثورة، واجهت ليبيا انقساما سياسيا بين حكومتين، واحدة في الغرب وأخرى في الشرق، مما أدى إلى تفكك المؤسسات وعدم الاستقرار، كما أسهمت
التدخلات الإقليمية والدولية في تعقيد المشهد السياسي والأمني، مما أطال أمد الأزمة الليبية، إضافة إلى عدم حسم البعثة الأممية الأزمة المتراكمة في ليبيا.
كما أعاق تفشي الفساد الإداري والمالي عملية بناء الدولة، مما أدى إلى استنزاف الموارد الوطنية وتردي الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصحة والتعليم، وعلى الرغم من ثروة ليبيا النفطية، أدت الانقسامات وسوء الإدارة إلى تدهور الاقتصاد وارتفاع معدلات الفقر.
وتثير هذه الحالة أسئلة حول أسباب انحراف أهداف الثورة التي خرج من أجلها الشعب الليبي والتي كانت تتمثل في تحقيق الحرية والتداول السلمي على السلطة والتوزيع العادل للثروة وتعزيز الوحدة الوطنية ويحمل الكثير من الليبيين المسؤولية للأطراف الرئيسية المتصارعة سواء التنفيذية أو التشريعية متهمين إياها بسرقة الثورة واستغلالها لتحقيق مصالح شخصية ضيقة.
ويظل توحيد المؤسسات أمرا جوهريا بدونه لا يمكن تحقيق استقرار دائم دون وجود سلطة موحدة تفرض سيادة الدولة والقانون، عن طريق إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لإنهاء الانقسام السياسي، دون إغفال تفعيل المشاريع التنموية وتحسين الإدارة الاقتصادية لضمان توزيع عادل للثروات.
الذكرى الرابعة عشرة لثورة فبراير فرصة لتكريم أولئك الذين ضحوا بأرواحهم من أجل حرية ليبيا، وللحديث عن التقدم الذي تم تحقيقه، وكذلك عن التحديات التي ما زالت تواجه البلاد في سعيها لتحقيق السلام الدائم.
فرغم التحديات، تبقى ذكرى 17 فبراير محطة للتأمل في مسار ليبيا ودعوة لاستكمال ما بدأه الشعب من أجل بناء دولة حديثة يسودها العدل والتنمية والاستقرار عن طريق الانتخابات، فالأمل معقود على جهود المصالحة الوطنية وإرادة الشعب الليبي في تجاوز الأزمات وتحقيق التطلعات التي خرج من أجلها.
مناقشة حول هذا post