كتب المدون خليفة البشباش عبر حسابه على فيسبوك: ميدان الشهداء هو المساحة الأخيرة المفتوحة للبشر في بلد وصلت فيه علاقة الناس بسياراتهم إلى نوع من “الحلولية” والاندماج الكامل، فيها يأكلون وفيها يشربون ويقضون -طوعا تارة وكرها أخرى- جل أوقات يومهم داخلها، فترى أحدهم لا يستطيع الانفكاك عنها إلا على بعد متر واحد من “المحل” ولا يمكن أن يرضى بالابتعاد مترين آخرين حتى لو اضطره الأمر إلى إغلاق الشارع كليا.
وأضاف البشباش: “المحاولات المتكررة كل عام لتحويل هذا الميدان الأخير إلى موقف سيارات لا يعكس سوى المزاج الفاسد والذائقة المنعدمة لمسؤولين عاشوا كل عمرهم في عصر “المركوب” ولم يعرفوا طيلة حياتهم معنى لكلمة تخطيط!”.
وتابع: “ونتيجة العشوائية والفوضى المقننة، باتت المربعات الإسمنتية القبيحة المتراصة تحيط بالناس من كل جانب، وتضيق بهم الأزقة والصدور حتى إنك لا ترى في الطرقات سوى الوجوه العابسة و(البراونتيات) التي تحاول مضايقتك واختراع معركة معك بلا سبب، وأصبح منظر مجموعة من الناس يضحكون -والعياذ بالله- مع أطفالهم وعائلاتهم في ميدان ما غريبا يجب القضاء عليه، وإعلان افتكاك أماكنهم بترشيح زيوت سياراتنا على مناطق ممشاهم”.
وتساءل قائلا: “ما الذي يمكن أن يفعله المسؤول يا ترى لحل مشكلة الازدحام والعلاقة العكسية بين مساحة البلاد التي تستحوذ على نصف قارة وبين شوارعها التي تشبه سمّ الخياط، هل يذهب إلى مناطق البناء والتمدد العمراني الحديث ليقوم بتخطيطها وتجنب مفاقمة الأزمة؟ هل يبحث عن استحداث منظومة مواصلات حديثة يمكن أن تخفف الزحام وتوفر التكاليف؟”.
واستدرك: “لا بالطبع.. الحل هو السطو على المساحات المخصصة للكائنات البشرية غير الضرورية.. تضييق الأرصفة أو إلغاؤها إن لزم، وتحويل الميادين إلى مواقف لأن عقول “المركوبات” عندما كانت تقسم الأراضي لم تكن تدرك بالطبع أن السيارات تحتاج إلى مواقف وأنها لا تسير إلى الأبد!”.
وذكر البشباش أن “الميادين العامة والأماكن المخصصة للمشاة والحدائق ليست ترفا، هذه ضرورة من ضرورات الحياة، البشر لا يعيشون في السيارات إلا في هذه البقعة، وأرجو أن لا أفاجئك إذا قلت لك إنه لو توفرت ميادين في كل منطقة فلربما ينخفض عدد العابسين في الطرقات إلى النصف!”.
واختتم المدون خليفة البشباش حديثه: “ثم ماذا ستفعلون عندما تنتهي الأرصفة والميادين ويتم تحويلها كلها إلى طرقات ومواقف؟ لن يتوقف الازدحام! وماذا ستفعلون عندما تكتشفون فجأة أن المباني في المناطق الجديدة في جنوب طرابلس مثلا قد ارتفعت، وأن أطفالهم قد كبروا واشتروا سيارات أيضا! وأن الازدحام تضاعف، وأن عدد الأشخاص الذين يودون زيارة “وسط البلاد” المكان الوحيد غير القبيح قد تضاعف أيضا؟ هذا أمر غير متوقع بالطبع!
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها! ولكن عقول التافهين تحكم وتطلق”.
مناقشة حول هذا post