أثارت تحذيرات أطلقها محافظ المصرف المركزي الليبي، ناجي عيسى، من احتمال تعذر صرف الرواتب الحكومية إذا ما تراجعت أسعار النفط وألقت بظلالها على البلاد»، انتقادات؛ بسبب «غياب الرؤية الواضحة لمعالجة الأزمة الاقتصادية.
وجاءت تحذيرات عيسى، خلال مشاركته في مؤتمر “الاستثمار المصرفي”، الأسبوع الماضي في طرابلس، بحضور رئيس الحكومة في طرابلس عبد الحميد الذي أشار بدوره إلى ارتفاع الدين العام إلى نحو 300 مليار دينار .
وقوبلت تصريحات الدبيبة وعيسى بموجة واسعة من الرفض من سياسيين واقتصاديين، وناشطين على منصات التواصل، في ظل ما وُصفت بـ”محاولة كل طرف إلقاء المسؤولية على الآخر، أو على خصومه السياسيين”، مقابل غياب حلول عملية للأزمة.
وانتقد عضو المجلس الأعلى للدولة، صفوان المسوري، ما وصفه بـ”رسم المحافظ صورة قاتمة للوضع المالي بعد فترة طويلة من الصمت”.
وقال لـ«الشرق الأوسط”، “كانت هناك تحذيرات سابقة من تداعيات الإنفاق الموسع وأزمات أخرى، غير أن الشارع كان ينتظر من إدارة المصرف المركزي مبادرات وحلولاً، أو على الأقل المسارعة بالتحذير مجدداً مع تفاقم الأرقام”.
وكشف عيسى، خلال الندوة، عن أن إنفاق الحكومتين بلغ 3 مليارات دولار شهرياً، بينما لا تتجاوز الإيرادات النفطية 1.5 مليار، محذراً من أن انخفاض أسعار النفط – الذي تُمثل عوائده المصدر الرئيسي لدخل البلاد – دون 55 دولاراً، قد يؤدي إلى عجز عن دفع رواتب العاملين في الدولة، الذين يُقدّر عددهم بأكثر من مليونَي موظف، بحسب تقرير هيئة الرقابة الإدارية.
وعدّ المسوري أن أداء المصرف المركزي بهذا الشكل يمثل تقصيرا، داعيا إلى تحرك مجالس النواب والدولة والرئاسي، بالتنسيق مع البعثة الأممية، لاستبدال كفاءات اقتصادية أخرى بقيادته الراهنة.
أما أستاذ الاقتصاد الليبي بجامعة درنة، صقر الشيباني، فعدّ أن المؤتمر تحوَّل إلى منبر لتبادل الاتهامات بين المحافظ ورئيس الحكومة.
وقال الشيباني لـ«الشرق الأوسط» إن تصريحات الدبيبة وعيسى انعكست سريعاً على سعر صرف الدولار في السوق الموازية، حيث ارتفع من 7.5 إلى نحو 7.75 دنانير وربما أكثر، بعد أن استغل المضاربون تلك الرسائل السلبية على حد وصفه، ولفت إلى أن الفارق في سعر الصرف ليس بسيطاً في بلد يستورد كثيراً من احتياجاته.
ووفقاً لرؤية الشيباني، فإن المواطن كان ينتظر إجراءات ملموسة، تنهي أزمات السيولة والتضخم وتأخر صرف الرواتب، لكنه “استقبل مع الأسف رسائل محبطة عن الدين العام، وتضخم فاتورة المرتبات واحتمالية تعثرها؛ مما أثار قلق قطاع واسع من الليبيين”.
ورغم تأكيده صواب حديث المحافظ عن خطورة الإنفاق الموسّع من الحكومتين، فإن الشيباني رأى أن واقع الانقسام كان يتطلب “مبادرات عملية للتعاطي معه لا التذرع به؛ أو محاولة أي طرف توظيفه سياسياً”، مذكّراً المحافظ بأنه وعد في ظل هذا الانقسام بحل أزمة السيولة، وتحسين سعر الدينار لكنه لم يفِ بذلك.
وخلال الندوة التي نظمها مصرف ليبيا المركزي، بعنوان “الاستثمار المصرفي ودوره في تعزيز التنمية الاقتصادية”، طرح مصرف ليبيا المركزي فكرة شركة مصرفية قابضة لإحياء الاستثمار في الاقتصاد الوطني.
وخلال الندوة، أوصى المشاركون بتأسيس شركة وطنية قابضة تنبثق عنها مصارف استثمارية وصناديق تمويلية وشركة للتأجير التمويلي، بما يتلاءم مع متطلبات الاقتصاد الليبي، إلى جانب تعزيز استقلالية مصرف ليبيا المركزي وتفعيل دوره في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.
ورغم طابعها الفني، أثارت الندوة جدلاً في الأوساط الحكومية، اعتبر مراقبون أن الخطوة تمثل محاولة من المصرف لتمرير مقترحات تنفيذية خارج الإطار المؤسسي، في حين تساءلت الحكومة عن دورها في هذه المبادرة، مؤكدة أن أي مشروع اقتصادي بهذا الحجم ينبغي أن يتم ضمن رؤية تنسيقية شاملة بين مؤسسات الدولة.




مناقشة حول هذا post