عرف الوضع الاقتصادي الليبي حركة مد وجزر ولم يرسو على حال في مؤشر دلالي على هشاشة الاقتصاد وارتجالية القرارات التي تسهم في ضبابية الوضع ما يعكس جدلية الخلافات السياسية وأثرها على تعافي الاقتصاد من الانتكاسات المرحلية.
ضريبة الدولار ..
وفي 5 مارس 2024، اقترح محافظ مصرف ليبيا سابقا الصديق الكبير في رسالة موجهة لمجلس النواب تعديل سعر صرف العملات الأجنبية ما بين 5.95 دنانير و6.15 دنانير للدولار الواحد، بعد فرض ضريبة بنسبة 27%، معللاً ذلك بما يمر به المصرف من “صعوبة في توفير احتياجات السوق من النقد الأجنبي منذ شهر سبتمبر 2023، في ظل تزايد حجم الإنفاق العام وبلوغه مستوى 165 مليار دينار خلال العام 2023”.
وأشار الكبير إلى “وجود إنفاق مواز مجهول المصدر وعدم وضوح حجم الإنفاق العام لسنة 2024″، من دون أن يسمي المسؤول عن الاتفاق المجهول الموازي.
وفي 14 مارس الماضي، أصدر مجلس النواب قراراً بفرض رسم على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية بقيمة 27%، وكلف المحافظ السابق الصديق الكبير “بوضع هذا القرار موضع التنفيذ وذلك بتعديل سعر بيع العملات الأجنبية بما يتوافق مع هذه الضريبة المفروضة، وتحديد القيمة المضافة على بيع تلك العملات مقابل العملة الليبية”.
وفي السابع من أكتوبر، قال المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق لرويترز إن رئيس المجلس عقيلة صالح أصدر قراراً بخفض الرسم الضريبي المفروض على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية سبعة بالمائة ليصل إلى 20 في المئة من 27 في المائة.
وجاء في نص قرار رئيس مجلس النواب أن الإيراد المتحقق من الرسم الضريبي يستخدم في تغطية نفقات المشروعات التنموية أو يضاف إلى الموارد المتخصصة لدى مصرف ليبيا المركزي لسداد الدين العام.
وبداية نوفمبر، قرر رئيس مجلس النواب تخفيض الضريبة على العملات الأجنبية إلى 15% لكل الأغراض على أن يكون سعر الصرف مضافا إليه هذه النسبة.
وأفاد القرار بأن يجري استخدام الإيراد المتحقق من الرسمي الضريبي في تغطية نفقات المشروعات التنموية أو تضاف إلى موارد مصرف ليبيا المركزي لسداد الدين العام مع مراعاة الاستثناءات الممنوحة من رئيس مجلس النواب.
قضائيا، أوقفت محاكم استئناف مصراتة وبنغازي وطرابلس قرار رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بفرض ضريبة على النقد الأجنبي بالمصرف المركزي.
وأعلنت الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف جنوب طرابلس قبول الطعن المرفوع ضد قرار رئيس مجلس النواب رقم 15 لسنة 2024 بشأن فرض الضريبة على النقد الأجنبي.
وأوضحت محكمة الاستئناف أنها قبلت الطعن شكلا، وقررت في الشق المستعجل منه وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مؤقتا لحين الفصل في الموضوع.
المركزي ..إدارة جديدة بدل الصديق الكبير
وفي 18 أغسطس 2024أصدر المجلس الرئاسي مجتمعا قرارا بإقالة المحافظ الحالي “الصديق الكبير” وتكليف “محمد الشكري” بدلا منه وذلك استنادا إلى قرار مجلس النواب رقم (3) لسنة 2018، والذي ينص على تشكيل مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي وتكليف محافظ له.
بعد هذا القرار سارع مجلس النواب ورئيسه، عقيلة صالح، إلى عقد جلسة عاجلة قرر فيها إلغاء قرار تكليف الشكري والإبقاء على “الصديق الكبير” محافظا للمصرف المركزي على أن يتم تشكيل مجلس إدارة جديد خلال 10 أيام من القرار.
وأكد البرلمان رفضه لقرار المجلس الرئاسي متهما إياه بمخالفة المادة 15 من الاتفاق السياسي، التي تحصر صلاحية تعيين أو إعفاء محافظ المصرف المركزي بين مجلسي النواب والدولة كونه من المناصب السيادية، لكن الرئاسي أصر على موقفه وكلف لجنة لاستلام مقر المصرف المركزي وتمكين الشكري من منصبه حتى لو استدعى الأمر استخدام القوة، في حين رفض الصديق الكبير إقالته وأغلق مقر المصرف ومنح الموظفين إجازة مفتوحة وعطل المنظومة المصرفية وأغلق منظومة المقاصة.
من جهتها، قالت المبعوثة الأممية إلى ليبيا، بالإنابة ستيفاني خوري إن “الأفعال أحادية الجانب من قبل الجهات السياسية والعسكرية والأمنية الليبية تؤدي إلى زيادة التوتر وترسيخ الانقسامات المؤسسية والسياسية وتعقيد الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي تفاوضي”.
وفي الـ25 من سبتمبر الماضي، أعلنت البعثة الأممية رسميا توصل ممثلي مجلسي النواب والدولة إلى تسوية بشأن أزمة المصرف المركزي؛ حيث وقع الطرفان بالأحرف الأولى على اتفاق بشأن الإجراءات والمعايير والجداول الزمنية لتعيين محافظ ونائب محافظ ومجلس إدارة لمصرف ليبيا المركزي.
وفي الـ30 من سبتمبر، أعلن مجلس النواب تصويته بالإجماع على تعيين ناجي عيسى محافظا للمركزي، ومرعي البرعصي نائبا له، وفق الاتفاق الذي رعته البعثة الأممية، على أن يتم تعيين مجلس إدارة للمصرف في وقت لاحق.
في السياق، رحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتعيين مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي.
وأفادت البعثة الأممية بأنه يجب تحصين المصرف المركزي ضد التدخلات السياسية للحفاظ على مصداقيته داخل النظام المالي الدولي، وتمكينه من الاضطلاع بدوره الأساسي في الاقتصاد الليبي بشكل فعال.
وقالت البعثة الأممية، إنه من الضروري ضمان عمل المصرف المركزي باستقلال ونزاهة وشفافية ومساءلة بالتوازي مع إدارته للسياسة النقدية بشكل فعال وإسهامه في دعم الاستقرار الاقتصادي للبلاد.
وشجعت البعثة الأممية القيادة الجديدة على مواصلة الجهود لإحراز تقدم ملموس بشأن إعادة توحيد المصرف المركزي وتنفيذ المزيد من التدابير لتعزيز حوكمته بما في ذلك تفادي تضارب المصالح.
وحثت البعثة الأممية القيادة الجديدة للمركزي على تبني سياسات سليمة لضمان الاستقرار المالي والاقتصادي في ليبيا بالاستناد إلى التوصيات الصادرة عن المراجعة المالية الدولية.
النفط..معاناة مع القوة القاهرة
نهاية أغسطس، أصدرت الحكومة في بنغازي برئاسة أسامة حماد أمرا بفرض حالة القوة القاهرة على المواني والحقول النفطية أدى إلى تراجع إنتاج النفط وتصدير النفط، وسط خلاف محتدم بعد تكليف المجلس الرئاسي مجلس إدارة جديد لمصرف ليبيا المركزي.
وبداية أكتوبر، أعلن رئيس الحكومة في بنغازي أسامة حماد رفع حالة القوة القاهرة عن الحقول والموانئ النفطية.
وذكر بيان للحكومة أن هذا الإجراء المتخذ جاء استجابة لتعليمات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ويأتي في إطار دعم الجهود المبذولة من أعضاء مجلسي النواب والدولة لحل أزمة مصرف ليبيا المركزي والتي تكللت بالنجاح في الاتفاق على اختيار محافظ للمصرف المركزي ونائب له.
مناقشة حول هذا post