“إذا كانت ادعاءات ديوان المحاسبة صحيحة، فلن أتقدم باستقالتي من رئاسة الهيئة العامة للأوقاف، بل من القطاع العام بأكمله” بهذا التعهد أشعل رئيس هيئة الأوقاف محمد العباني وسائل التواصل الاجتماعي التي تداولت كلمته المصورة في الرد على ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2021 بشأن الهيئة، فما القصة؟
بدأت القصة عن كشف تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2021 عن قيام هيئة الأوقاف بإبرام عقد في منتصف يناير بمبلغ 700 ألف دينار مع شركة لاستيراد الملابس لتوريد 1366 قطعة من الزي التقليدي، دون إرفاق ما يفيد بوجود مطالبات بالكميات من الإدارات المختصة من حيث العدد والصنف.
التقرير أوضح عدم وجود ما يفيد إجراء مفاضلة واختيار أفضل العروض قبل التعاقد من قبل لجنة المشتريات بالمخالفة لنص المادة “10” من لائحة العقود الإدارية.
كما ذكر أنه وعلى الرغم من صرف قيمة العقد بالكامل والبالغة 700 ألف دينار، فقد تبين تسلّم الهيئة 200 بدلة من الزي العربي بقيمة إجمالية 111.800 دينار، ولا يوجد ما يفيد بتسلّم القطع المتبقية، وعددها 1166 بدلة من الزي العربي بقيمة إجمالية 588.200 دينار.
العباني: أتحدى إثبات صرف دينار واحد
تقرير ديوان المحاسبة دفع رئيس هيئة الأوقاف محمد العباني إلى تصوير مقطع فيديو عبر حساب الهيئة على فيسبوك؛ للرد عليه، معلنا تحديه ديوان المحاسبة بأن يثبت أن الهيئة صرفت قيمة العقد البالغة 700 ألف دينار، مؤكدا أن الهيئة لم تصرف دينارا واحدا، متعهدا بتقديم استقالته في حال أثبت الديوان خلاف هذه الحقيقة، تاركا الحديث عن حقيقة التعاقد نفسه وقيمته.
العباني اتهم ديوان المحاسبة بأن تقريره يخترق الأمن القومي، وأن الدول الأجنبية لم تعد في حاجة إلى إرسال عملاء الاستخبارات التابعة لها إلى ليبيا، فقد باتت تحصل على ذات المعلومات من التقرير، موجها حديثه لرئيس الديوان خالد شكشك: “هل تأخير صدور التقرير جاء بالتنسيق مع المرشد؟!”.
الديوان ينشر الوثائق على الملأ
ديوان المحاسبة بدوره خرج عن صمته، وقرر الرد على العباني، ونشر وثائق تفصيلية تفيد شراء هيئة الأوقاف ملابس تقليدية باهظة الثمن متمثلة في 1366 “زبونا” عربيا تقليديا بقيمة 700,000 دينار، تم منح 19 قطعة منها لمتسابقين، فيما تم توزيع الباقي على موظفي الهيئة بالمخالفة.
الديوان اعتبر أن توجه عدد من المسؤولين للإعلام وصفحات التواصل للرد على الملاحظات التي تمس تصرفاتهم، لم يكن إلا تبريرا للتصرف من خلال إبداء بيانات مضللة ليس لها علاقة بالتصرف الذي يعد مخالفة حسب ما ورد بالتقرير، أو ادعاءات باطلة ومضللة ليست مرتبطة بجوهر الملاحظات المعروضة.
وأكد الديوان أن تقاريره تملك الحجية القانونية لدى الهيئات القضائية وفقا لنص المادة (52) من القانون رقم 19 لسنة 2013م بشأن تنظيم ديوان المحاسبة، وهي ليست محل أخذ ورد ممن وردت مخالفاتهم وتصرفاتهم بين طياته، والتي تم توثيقها وتجميع أدلة الإثبات الكافية للنشر والإحالة.
وأشار ديوان المحاسبة إلى قيام عدد من صفحات التواصل بتوجيه الرأي العام نحو ملاحظات واردة بالتقرير تمثل تصرفات شخصية من بعض الأفراد وتمثل مخالفة أو جريمة وفقا للقانون، وإغفالهم عن الملاحظات والمخالفات الجسيمة التي تؤثر على كيان الدولة وتسببت في تأخر تحسن اقتصادها وأوضاعها المالية وتوفير الخدمات الضـرورية للمواطن، مما يتطلب من الديوان تسليط الضوء عليها وتهيئتها للرأي العام من خلال إعداد ملخص لها سيتم نشره لاحقا.
وتوعد الديوان بأنه عاكف على توثيق وتكييف ما ورد من ردود مضللة وإساءات شخصية في حق موظفي ومسؤولي ديوان المحاسبة أو في حق الديوان كمؤسسة إدارية عامة وفقا لنص المادة (245) من قانون العقوبات الليبي.
هيئة الأوقاف تؤكد مرة أخرى: قيمة التعاقد ما زالت في حساباتنا
عقب نشر ديوان المحاسبة مستندات تفصيلية توثق كل ملاحظاته الواردة في تقريره بشأنها، لا تزال هيئة الأوقاف مصرة على موقفها، حيث نشرت صكوكا، وعددا من المستندات ذكرت أنها تؤكد أن القيمة ما زالت في حسابها وفق أذونات الصرف.
وأكدت الهيئة أنها تمارس حقها في الدفاع عن نفسها كأي مؤسسة تتم إدارتها بالعمل البشري، وهي تركز على الممارسات من حيث واقعيتها من عدمها، كما أنها تعمل في ظل قوانين ولوائح عامة لها معاييرها وأشكالها ومضامينها المعينة على تنفيذ مهامها على الوجه الشرعي المطلوب.
وفي ظل هذا التراشق، يجد المواطن الليبي نفسه أمام حيرة من أمره حول تصديق الحجج التي تسوقها مؤسسات الدولة للدفاع عن نفسها، فيما يشهد الواقع الليبي المؤلم خلاف ذلك تماما.
مناقشة حول هذا post