أقيمت صباح السبت، بالعاصمة طرابلس مراسم استقبال رسمية لجثامين رئيس أركان الجيش الليبي الفريق أول محمد الحداد ورفاقه، الذين قضوا في حادث تحطم طائرة قرب العاصمة التركية أنقرة، أعقبتها مراسم تأبين رسمية في مقر رئاسة الأركان، بحضور رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الحكومة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين.
وخلال مراسم التأبين أعلن المنفي ترقية الحداد إلى رتبة مشير، في وقت أكد فيه الدبيبة استمرار التحقيقات في حادث سقوط الطائرة بالتنسيق الكامل مع السلطات التركية.
ووصلت الجثامين إلى مطار معيتيقة الدولي على متن طائرة حكومية قادمة من تركيا في ساعات الصباح، حيث جرت مراسم استقبال رسمية وفق البروتوكولات العسكرية المعتمدة، شملت عزف السلام الوطني واصطفاف حرس الشرف، بحضور قادة أركان الوحدات العسكرية التابعة لرئاسة الأركان، إضافة إلى ذوي الضحايا.
وعقب مراسم الاستقبال في المطار، نُقلت الجثامين إلى مقر رئاسة الأركان، حيث أُقيمت مراسم تأبين رسمية بحضور قيادات عسكرية وأمنية، وممثلين عن المجلس الرئاسي والحكومة.
وأوضحت وزارة الدفاع أن مراسم التأبين جاءت تكريماً للقادة “الذين أسهموا في ترسيخ قيم الانضباط والانتماء، التي عمل هؤلاء القادة على ترسيخها وتطبيقها، وتكريماً لمن قدموا أرواحهم فداءً للوطن”.
بالمناسبة، قال المنفي إن هذا المُصاب الجلل لا يخص عائلاتهم وحدها، ولا مؤسستهم العسكرية فقط، بل هو فاجعة وطن، وخسارة لكل ليبي يؤمن بقيمة الدولة، وشرف الخدمة، وثمن الفداء.
وأردف لقد عرفناهم رجالاً منضبطين، أوفياء لقسمهم، لم يكونوا أصحاب أصوات عالية، بل أصحاب أفعال ثابتة، عملوا بصمت، وتحملوا المسؤولية، وأعلو الولاء لله وللوطن، ولشعبه، ولم يطلبوا يوماً مقابلاً سوى شرف الانتماء إلى ليبيا وخدمتها.
وتابع، من هذا المقام، نحمّل أنفسنا، – أمام الله ، وأمام الشعب مسؤولية الوفاء لهذه الدماء؛ وفاءً يتحقق ببناء مؤسسة عسكرية وطنية قوية، موحّدة، محترفة، منضبطة، لا ولاء لها إلا لليبيا، ولا سلاح فيها إلا لخدمة الدولة، ولا قرار فيها إلا في إطار القانون، تحمي الوطن، وتصون سيادته، وتلتزم بخدمة الشعب.
من جهته، أكد الدبيبة أن ليبيا تودّع اليوم رجال دولة قبل أن يكونوا قادة عسكريين، مشيرا إلى أن المشير محمد الحداد كان من أوائل المؤمنين بضرورة بناء جيش نظامي، يقوم على الانضباط والمؤسسية، ولاؤه لله ثم للوطن، رغم التحديات والظروف الصعبة، حتى وصلت المؤسسة العسكرية إلى هذا المستوى من التنظيم والجاهزية.
وشدد الدبيبة، في كلمته، على أن وفاء الدولة للشهداء لا يكون بالكلمات وحدها، بل بمواصلة العمل على استكمال مسار بناء مؤسسة عسكرية وطنية موحدة، تقوم على القانون والانضباط، وتبنى على القيم والمبادئ لا على الأشخاص.
كما أكد الدبيبة أن التحقيقات في ملابسات الحادث الأليم مستمرة بكل جدية ومسؤولية، قائلا “نؤكد، ونحن في لحظات الوداع، أن التحقيقات في هذا الحادث مستمرة بكل شفافية ومسؤولية، ونتابعها عن كثب بالتعاون مع الجمهورية التركية، إلى أن تتضح جميع الملابسات وتظهر الحقيقة كاملة، إحقاقا للحق، واحتراما لدماء الشهداء، وصونا لثقة الليبيين”.
وفي كلمته خلال مراسم التأبين، عبّر رئيس الأركان العامة المكلّف، الفريق صلاح الدين النمروش، عن بالغ الحزن والفخر، مؤكدًا أن الشهداء خرجوا في مهمة وطنية وهم يحملون أمانة المسؤولية، فعادوا شهداء للواجب، تاركين في سجل الوطن صفحة ناصعة من الشرف والتضحية، ومجسّدين أسمى معاني الانضباط والقيادة والالتزام بخدمة ليبيا حتى آخر لحظة.
وأكد النمروش أن هذا المصاب الجلل لا يمثّل خسارة لعائلات الشهداء فحسب، بل خسارة للمؤسسة العسكرية وللوطن بأسره، مشددًا على أن دماء الشهداء ستبقى عهدًا لا يسقط، ودليلًا راسخًا على أن الوطن لا يُصان إلا بتضحيات رجاله، وأن الجيش الليبي سيظل وفيًا لأبنائه، محافظًا على وحدته وقوته، وماضيًا بثبات على دربهم بنفس الصدق والإخلاص.
وشهدت مراسم التأبين حضور الفريق أول سلجوك أوغلو رئيس أركان الجيش التركي، إلى جانب وزير الداخلية والأمن والتوظيف المالطي بايرون كاميليري، وقائد القوات المسلحة المالطية كلينتون أونيل، وعدد من الملحقين العسكريين الأجانب، في تأكيد رسمي على مكانة الشهداء ودورهم الوطني.
وجاءت مراسم التأبين في طرابلس عقب انتهاء مراسم وداع رسمية أُقيمت في قاعدة “مرتد” العسكرية بالعاصمة التركية أنقرة، بحضور وزير الدفاع التركي وكبار قادة القوات المسلحة التركية، إضافة إلى الوفد الليبي المشارك في متابعة التحقيقات.
وفي هذا السياق، رافق رئيس الأركان العامة للجيش التركي الجنرال سلجوق بيرقدار أوغلو جثامين الحداد ورفاقه من أنقرة إلى طرابلس، للمشاركة في مراسم التأبين والدفن.

مناقشة حول هذا post