الجارة الجنوبية لليبيا السودان، والتي تربطها حدود برية تمتد على مسافة 382 كيلومترا دون أي رقابة مشددة، تنذر بموجة نزوج كبيرة من المواطنين الفارين من جحيم تصاعد الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حمدان حميدتي وسط مخاوف من حرب أهلية، ما يطرح تساؤلات عدة حول نجاح مساعي إخراج المرتزقة الأجانب لاسيما المنحدرين من إفريقيا.
قبل أسابيع، جولة مكوكية قادها المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتلي قادته إلى السودان، حيث قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان خلال لقائه باتيلي، إن وجود المقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا يشكل خطرا كبيرا على السلام والاستقرار في البلاد والمنطقة، مضيفا أنهم نحن بحاجة إلى العمل مع شركائهم لمواجهة هذا التحدي دون التأثير سلبا على بلدان الجوار الليبي أو على المنطقة.
واستقبل رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان باتيلي في الخرطوم، معربا عن دعمه لجهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ومؤكدا أن تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا سيسهم في استقرار المنطقة برمتها.
الحرب في السودان، تهتم كذلك مرتزقة فاغنر ومحاولات تمددهم، والإثنين الماضي، نقلت جريدة واشنطن بوست الأمريكية عن وثائق سرية للمخابرات الأمريكية أن مجموعة فاغنر تتحرك بقوة لإنشاء اتحاد كونفدرالي من الدول المعادية للغرب في إفريقيا، حيث يثير المرتزقة الروس عدم الاستقرار من خلال قدراتهم شبه العسكرية والمعلومات المضللة لدعم حلفاء موسكو.
وتتبعت الوثائق تحركات فاغنر في دول إفريقية من بينها ليبيا، في محاولة لتوسيع النفوذ الروسي في إفريقيا، وهو ما اعتبره التقرير مصدر قلق متزايد لمسؤولي المخابرات والجيش الأمريكيين، مما دفع واشنطن على مدار العام الماضي لإيجاد طرق لـضرب شبكة “فاغنر” من القواعد وجبهات الأعمال من خلال الضربات والعقوبات والعمليات الإلكترونية وفقاً للوثائق.
في السياق، حذر المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية من تبعات الحرب في السودان على الجنوب الليبي، وتضمنت سيناريوهات عدة، جاء في مقدمتها سيناريو انهيار قوات “الدعم السريع” أمام ضربات الجيش السوداني بدعم أميركي مصري، ستكون له انعكاسات على مناطق الجنوب الليبي، حيث سترتفع احتمالية انتشار قوات “الجنجويد” خارج السودان، وخصوصا على الجانب الليبي الذي ما زالت تغلب على أحواله الهشاشة الأمنية، مع وجود دوائر ارتباطات “الجنجويد” السابقة قبليا وعسكريا، مع رغبة الأطراف المحلية والدولية بالاستقواء بالمرتزقة، وخصوصاً الحلفاء السابقين للجنجويد ” الفاغنر – حفتر ” اللذين مازال لهم مخططات للمنطقة ، كما أن البيئة الأمنية والعسكرية الليبية رخوة ومكشوفة وواضحة ومهيئة ومعروفه لديهم.
وهذا السيناريو بحسب المركز البحثي، سيؤثر سلبا علي أداء مهام نشر ” القوات المشتركة ” الموحدة للجيش الليبي في الجنوب، وهي القضاء على المجموعات المسلحة، والحد من انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، وتنظيم استخدامه، وبسط سيطرة الجيش على كامل الجنوب الليبي وتأمين الحدود بما فيها الحدود السودانية والتشادية والنيجرية ، الأمر الذي رحبت به الإدارة الأمريكية واعتبرته يصب في صالح تقليص مساحات عمل مرتزقة الفاغنر والمليشيات التابعة لها ومن ضمنها فصائل الجنجويد، ولذلك فإن ما يجري حاليا في السودان قد يسهم في إعادة انتشار الجنجويد من جديد في الجنوب الليبي.
وعليه، فإن اشتعال الأحداث في السودان يحتم على الدولة الليبية المسارعة في ترتيب تأمين حدودها الجنوبية لمنع احتمالية تأثير هذه الأحداث عليها.
أما سيناريو استطالة عمر الحرب بين طرفي النزاع، وزيادة تدهور الأوضاع المعيشية للشعب السوداني، سيتسبب في موجة هجرة ونزوح كبيرة تستهدف دول الجوار، وستتحمل ليبيا العبء الأكبر في ذلك، نظرا لتأخرها في حماية وتأمين حدودها مقارنة بمصر أو تشاد.
وحول انسحاب المقاتلين والمرتزقة، استبعدت كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية كلوديا غازيني انسحاب المقاتلين والمرتزقة التشاديين والسودانيين من ليبيا، حسبما ذكرت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء.
وقالت غازيني، في حوار مع وكالة نوفا، إن “انسحاب المقاتلين والمرتزقة التشاديين والسودانيين من ليبيا يتطلب ثلاثة أشياء: إرادة حقيقية؛ نظير في البلدان المعنية على استعداد للتعاون؛ الظروف السياسية والعسكرية للعودة إلى الوطن”.
وجاء تصريح غازيني تعليقا على الجولة التي أجراها باتيلي إلى السودان وتشاد والنيجر بهدف الاتفاق على انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا وضمان أمن حدود الساحل.
وأضافت أن الوضع في السودان مختلف، فقد قالت غازيني إنه “مقارنة بالسنوات 2018 إلى 2020، عاد العديد من المقاتلين السودانيين بالفعل لأن هناك عملية سياسية سمحت بذلك، وانضمت مجموعات عديدة إلى الحوار واتفاقية جوبا التي شكلت فيما بعد بداية هذه المرحلة الجديدة”.
ومع ذلك، تخشى حكومة الخرطوم اليوم أن تؤدي عودة المقاتلين الأجانب إلى زعزعة التوازن الهش الذي تخضع له البلاد في أيدي المجلس العسكري.
محليا، قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن خليفة حفتر ساعد في إعداد قوات الدعم السريع، وهي ميليشيا تقاتل الآن للسيطرة على السودان، للمعركة في الأشهر التي سبقت اندلاع العنف المدمر في 15 أبريل، حسبما قال مسؤولون سابقون.
وأضافت الصحيفة أن تدخل حفتر يثير مخاوف من صراع طويل الأمد في السودان تغذيه مصالح خارجية، مشيرة إلى أن جهات فاعلة وقوى إقليمية متعددة تخوض حربًا بالوكالة في السودان.
من جهته، نفى خليفة حفتر تقديم أي دعم لأي طرف في السودان على حساب الآخر، نافيا ما تناولته وسائل الإعلام حول هذا الأمر، وأنهم مستعدون ليكونوا وسطاء لإيقاف الحرب وفتح المجال للحوار بالطرق السلمية.
وأضاف أنهم يجرون اتصالات عاجلة مع الأطراف المتصارعة في السودان، داعين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى الهدنة وإيقاف جميع الأعمال العسكرية في البلاد.
وبشأن تداعيات الحرب، قال المكتب الإعلامي للسفارة الليبية بالسودان لـ أبعاد، إن السفارة أغلقت مقرها بالعاصمة الخرطوم، وعلقت أعمالها مع تصاعد الوضع في البلاد.
وأضاف المكتب الإعلامي للسفارة الليبية بالسودان لـ أبعاد، أن لجنة الأزمة في تواصل مع المواطنين الذين لم يتم إجلاؤهم من العاصمة وسيتم ذلك عند استقرار الوضع.
ووصل أمس الثلاثاء الرعايا الليبيون العائدون من السودان بعد عملية إجلائهم بحرا من ميناء بوتسودان نحو السعودية ومنها إلى ليبيا.
مناقشة حول هذا post