بعد أشهر عدة من الجمود السياسي، استعصى على المبعوث الأممي المستقيل عبد الله باتيلي فك شفرة الأزمة الليبية وظلت مبادرته الأممية في فلك المجهول وتنعت الأطراف السياسية، وسط تدويل الأزمة ودخول أطراف خارجية على الخط للبحث عن مصالحها والتحكم في زمام الأمور عن مسؤوليها أو احتضان اجتماعات أو الدفع بمسارات موازية.
وفي آخر إحاطة أممية، قال باتيلي إن قال المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي إن الشروط المسبقة التي يضعها القادة الليبيون، قبل إجراء أي مفاوضات تكشف عن رغبة في رفض مسبق للحل، رغم إعلانهم حسن نيتهم.
وأفاد باتيلي خلال إحاطته الدورية لمجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، بأن المبادرات الأحادية والموازية من كل الأطراف الليبية تسهم في تعقيد المشهد في البلاد، لافتا إلى أن هناك رفضا مقصودًا من الأطراف الليبية لإجراء الانتخابات بشكل جدي مع رغبة عنيدة في تأجيل الانتخابات إلى حد غير معلوم.
وأوضح أنه طرح اقتراحات ومبادرات ضمن محاولاته منذ دعوته الجهات الخمس الرئيسية في ليبيا، إلى إجراء حوار وتسوية القضايا العالقة وإجراء انتخابات، لكن هذه الاقتراحات والمحاولات لم تجد إلا المعارضة، مشيرا إلى أن هذه المواقف جاءت بسبب انقسام على الساحة العالمية، مما يؤدي إلى إطالة الوضع القائم.
وتابع باتيلي أن ن رئيس الحكومة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة اشترطا وضع دستور جديد قبل إجراء الانتخابات، ووصف مواقف الأطراف الليبية تجاه مبادرته بالمتحجرة، لافتا إلى ما اعتبره الرفض المقصود، الرغبة العنيدة في تأجيل الانتخابات إلى أمد غير معلوم.
وبين المبعوث الأممي أنه رشح كل من تكالة والدبيبة من يمثلهما في الحوار، لكنهما اشترطا إعادة النظر في قوانين الانتخابات، واعتماد دستور جديد قبل إطلاق العملية السياسية، فيما اشترط عقيلة صالح تشكيل حكومة موحدة كشرط ضروري لإجراء الانتخابات، أما حفتر فقد اشترط إما دعوة حكومة حماد إلى جانب حكومة الدبيبة أو سحب تمثيل الحكومتين.
وقال المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي إن إضافة مقعد منفصل على طاولة الحوار، لتجلس عليه وفود من الحكومة المدعومة من مجلس النواب، برئاسة أسامة حماد، ستضفي طابعًا رسميًا على الانقسامات السائدة في ليبيا.
وبهذه الاستقالة يبقى الوضع في ليبيا مجهولا، لكن متابعين أكدوا أن واشطن لن تترك ليبيا في قضبة روسيا لاسيما مع تنامي النفوذ الروسي في إفريقيا عبر فاغنر أو الفيلق الروسي.
ومن خلال تأكيد مساعيها في ترك يدها مبسوطة على الأزمة الليبية، جرى تعيين الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري نائبا لرئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبدالله باتيلي مكلفة بالملف السياسي، مترجمة تحكمها بالمنصب الذي كانت وراء استحداثه بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 2542 لسنة 2020، وتعاملت معه بمقاربة إستراتيجية حتى تبقى قريبة من تفاصيل المشهد المعقد سياسيا وأمنيا واقتصاديا وجغرافيا.
وشغلت خوري مناصب عدة مرتبطة بإدارة النزاعات وبناء السلام في الشرق الأوسط على مدى 30 عامًا، نحو 15 عامًا منها في دول العراق ولبنان وليبيا وسوريا السودان واليمن.
وتعد خوري ثاني أمريكية تشغل منصب نائب المبعوث الأممي في ليبيا، عقب مواطنتها ستيفاني وليامز التي شغلت المنصب إبان ولاية المبعوث الأسبق غسان سلامة، قبل أن تتولى إدارة البعثة بالإنابة.
وتعرف واشنطن أن وجود شخصية أميركية في وظيفة نائب أهم بكثير وأبلغ تأثيرا من وجود شخصية من بلد آخر، تبين ذلك بالخصوص عندما استقال غسان سلامة من ذلك منصب المبعوث الأممي في فبراير 2020 لأسباب وصفها بالصحية، وحلت مكانه نائبته الأميركية المخضرمة ستيفاني ويليامز واصفة الساسة في ليبيا بالديناصورات، والتي سعت بدعم من سفير بلادها ريتشارد نورلاند إلى استعمال كل ما لدى بلادها من آليات ضغط لجمع الليبيين على طاولة الحوار، فنجحت في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد اجتماعات ماراثونية للجنة العسكرية المشتركة 5+5 واتفاق جنيف الذي أفرز الدبيبة المؤقتة وفق الاتفاق.
في السياق، قال الباحث الأول المتخصص في الشؤون الليبية جلال الحرشاوي لـ “الشرق الأوسط”، إن تولي ستيفاني خوري رئاسة البعثة في ليبيا سيسمح لأمريكا بإدارة البعثة دون مواجهة مع روسيا.
وأفاد الحرشاوي بأنه من المرجح أن تظهر الأمريكية ستيفاني خوري مبعوثا خاصا مؤقتا إلى ليبيا وهو ترتيب من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة بإدارة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا دون مواجهة الفيتو الروسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولكن ستكون هناك حدود لما يمكنه تحقيقه.
مناقشة حول هذا post