على غرار الاحتباس الحراري وتداعياته العالمية، يبدو أن ليبيا تعيش احتباسا سياسيا في صيف حار مضطرب أحيانا في مناطق متفرقة من ربوع البلاد، حيث الأطراف السياسية لم تتوقف عن حراكها السياسي بحثا عن موقع في رقعة السياسية المتشابكة.
وبحسب مراقبين أول ما أشعل فتيل الأزمة، هو الورقة الجدلية التي أفرزتها انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة وحرب البيانات بين خالد المشري ومحمد تكالة بشأن مسارات تصفية الأزمة ورئاسة المجلس، جدل انقسم به أعضاء المجلس خلال الجلسة، بين مطالبين بإبطال الورقة لأن المصوت كتب اسم المرشح على ظهر الورقة وليس على وجهها المخصص لكتابة اسم المرشح، واعتبروا ذلك مخالفا للائحة المجلس الداخلية بشأن شروط التصويت، فيما طالب البعض الآخر، ومن بينهم تكالة، بإعادة التصويت.
واستند المطالبون بإبطال ورقة التصويت التي كُتب فيها اسم المرشح على ظهر الورقة إلى الفقرة الثانية من المادة 97 من لائحة المجلس، التي تنص على إلغاء أي ورقة للتصويت تتضمن “علامة تعريف أو تمييز من أي نوع كانت”، معتبرين أن المصوت أراد بالكتابة خلف الورقة إشارة إليه وتعريفا به.
وأعلن المجلس الأعلى للدولة عبر صفحته الرسمية محضر اجتماع اللجنة القانونية التي أكدت فوز خالد المشري بـ 69 صوتا مقابل تكالة بـ 68 صوتا.
وبنصاب مكتمل، أفادت اللجنة القانونية بمجلس الدولة بأن الورقة المختلف عليها “ملغاة” ولا تحتسب وتقر فوز المترشح خالد المشري رئيسا للمجلس الأعلى.
في خضم هذا، صوت مجلس النواب في جلسة رسمية عقدها الثلاثاء الماضي بالإجماع على سحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي واعتبار رئيس مجلس النواب هو القائد الأعلى للجيش.
كما صوت المجلس في ذات الجلسة بالإجماع على أن الحكومة في بنغازي برئاسة حماد هي الحكومة الوحيدة والشرعية في البلاد.
كما أكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن المرحلة التمهيدية التي جاءت بالمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة انتهت بانتهاء المدد المحددة لها، داعيا إلى العمل على المصالحة وبناء سلطة تحقق الحكم المحلي وإنهاء المركزية وتسمية المحافظات.
وأشار صالح إلى أن السلطة التنفيذية التي جاء بها الاتفاق السياسي لم تحقق أي شيء جاء في الاتفاق والتي منها تهيئة الأوضاع للانتخابات، مضيفا أن هناك مجموعة تريد بقاء الوضع على ما هو عليه، داعيا إعادة النظر في اتفاق جنيف للمرحلة التمهيدية؛ لا سيما وأنه لم يضمن في الإعلان الدستوري الذي يعد السند لكل السلطات، حسب قوله.
وفي انسجام مع خطورة البرلمان، رحب رئيس الحكومة في بنغازي أسامة حماد بقرار مجلس النواب الذي أعلن تجديد الثقة لها خلال جلسة الثلاثاء.
ودعت الحكومة السلطات القضائية، بما فيها المجلس الأعلى للقضاء ومكتب النائب العام، إلى تنفيذ قرارات مجلس النواب، مطالبة الدول الصديقة والمنظمات الإقليمية والدولية بالانخراط مع قرارات الشعب الليبي واحترام إرادته ودعم مؤسساته الشرعية بحسب نص البيان.
وطالب حماد سفارات الدول الأجنبية وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية باحترام قرارات مجلس النواب والامتناع عن أي عمل ينتهك الشرعية الليبية، مؤكدا التزامه بكافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية.
بالمقابل، حذر النائب في المجلس الرئاسي موسى الكوني، من خطر انقسام ليبيا ووصولها إلى حافة حرب جديدة، ملقيا باللوم على جميع الأطراف السياسية والعسكرية لفشلها في إيجاد حلول للأزمة وإدارة الدولة بشكل فعال.
واعتبر الكوني في مؤتمر صحفي، أن ليبيا الآن منقسمة، لا يجمع مواطنيها سوى جواز السفر والعلم، مشيرا إلى وجود حكومتين منفصلتين وتقاسم الأموال وتربص الجيوش بعضها ببعض، محذرا من تحركها في أي لحظة لشن حرب جديدة ودفع ليبيا إلى نفق القتال مرة أخرى.
وشدد النائب في المجلس الرئاسي على ضرورة الحفاظ على وحدة ليبيا وعدم التخلي عن أي جزء من أراضيها، مؤكدا أن الأزمات المتلاحقة التي تمر بها البلاد منذ سنوات أدت إلى تراجعها خطوتين إلى الوراء.
وأفاد الكوني بأن المجلس الرئاسي يتمتع بصلاحيات محدودة، مؤكدا أن الهدف من امتلاكهم لصلاحيات القائد الأعلى للجيش هو عدم استخدامه من أي طرف لإعلان حالة الطوارئ أو الحرب، مؤكدا أن الجيش في المنطقة الشرقية لا يأتمر بأمرهم أصلا، مشيرا إلى عدم قدرته على استخدام صلاحياته حتى في المنطقة الغربية كقائد أعلى للجيش.
وانتقد الكوني جميع المؤسسات الليبية الحالية لتشبثها بالسلطة، ملقيا باللوم على مجلسي النواب والأعلى للدولة لعدم كونهما قدوة لليبيين باعتبارهما أجساما منتخبة، مضيفا أنهما المعرقلان الأساسيان للعملية الانتخابية.
من ناحيته، أكد رئيس الحكومة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة خلال اجتماع له مع ستيفاني خوري أن حكومته تستمد شرعيتها من الاتفاق السياسي المضمن في الإعلان الدستوري، وتلتزم بمخرجاته التي نصت على أن تُنهي الحكومة مهامها بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتُنهي المرحلة الانتقالية.
وأضاف الدبيبة أن الحكومة تعتبر أن القرارات التي اتخذت من رئاسة مجلس النواب قرارات لا تغير من الواقع الليبي شيئا، وأنها مواقف صادرة عن طرف سياسي يصارع للتمديد أطول مدة ممكنة، موضحا أن حكومته تتعامل مع البيانات المتكررة على أنها رأي سياسي غير ملزم، وشكل من أشكال حرية التعبير لأحد الأطراف السياسية.
البعثة الأممية دخلت على خط الأزمة، معربة عن قلقها تجاه الإجراءات الأحادية التي تمارسها أطراف ومؤسسات ليبية شرق البلاد وغربها وجنوبها.
وأفادت البعثة بأن هذه الأفعال الأحادية تفضي إلى تصعيد التوتر وتقويض الثقة والإمعان في الانقسام المؤسسي والفرقة بين الليبيين.
وذَكّرَتِ البعثة جميع القيادات السياسية والمؤسسات المختلفة بالتزاماتهم بموجب الاتفاق السياسي الليبي وتعديلاته على نحو يتسق مع جميع قرارات مجلس الأمن، مناشدة كافة الأطراف تبني الحوار والتوصل إلى حلول وسط على نحو يصب في مصلحة جميع الليبيين.
وأشارت البعثة الأممية إلى مواصلة مشاوراتها مع القادة الليبيين والأطراف الإقليمية بغية التوصل إلى توافق والدفع بالجهود الكفيلة بإنهاء الجمود السياسي القائم.
بدوره، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه الشديد إزاء الجمود السياسي في ليبيا ومؤسسات الحكم الموازية، لافتا إلى أنها تمهد الطريق لمزيد من الانقسام السياسي في البلاد.
وأفاد غوتيريش في تقرير مفصل بأن الإجراءات الأحادية الجانب واستمرار الجمود قد أدى إلى تآكل الثقة بين الأطراف الليبية وزيادة تعنتهم في مواقفهم، مما يؤدي إلى إدامة الوضع الراهن، مشددا على أهمية تقديم الدعم للجهود التي تبذلها نائب الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني خوري، لإعادة تنشيط العملية السياسية من خلال مشاورات شاملة.
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة الشركاء الإقليميين والدوليين بإيجاد أرضية مشتركة لدعم الجهود الليبية للتوصل إلى اتفاق سياسي بتيسير من الأمم المتحدة، والامتناع عن أي مبادرات أحادية الجانب وغير منسقة، والتماسك في دعم جهود الأمم المتحدة لحل الأزمة السياسية في ليبيا.
من جهتها، أعربت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا عن قلقها إزاء الإجراءات الأحادية التي اتخذتها جهات فاعلة ومؤسسات سياسية ليبية في أنحاء البلاد، لافتة إلى إن هذه الإجراءات تزيد حدة التوترات القائمة وتعمق الانقسامات والمصالحة.
وحثت البعثة الأوروبية الأطراف الليبية على تغليب مصالح البلاد ومواطنيها على الأجندات الفردية أو الفئوية طبقاً للاتفاق السياسي الليبي وتعديلاته وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة، مشيرة إلى أن “هذا وقت يقتضي الحوار والتسوية والتهدئة”.
وجددت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا تأكيدها دعم الجهود الأممية الرامية إلى تيسير عملية سياسية شاملة بقيادة ليبية، داعيا البعثة الأممية إلى الشروع في عملية تصون سيادة ليبيا ووحدتها واستقرارها.
مناقشة حول هذا post